مقالات

هل جاء التطبيع التركي الإسرائيلي على حساب غزة وحماس؟

مرمرة

إحسان فقيه*

أثار التوجه السياسي الجديد للحكومة التركية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، جدلا واسعا داخل وخارج تركيا، وانقسمت الآراء هنا وهناك بين مؤيد للقرار باعتباره ترجمة لتعريف البعض للسياسة بأنها “فن الممكن” – بغض النظر عن مدى صحة التعريف – وأنه جاء كضرورة يفرضها الواقع، وبين معارض يرى القرار ضربا من الاستسلام، وأن التطبيع يعكس تخلي القيادة التركية عن قطاع غزة وحماس.

الذين اتهموا أردوغان بأنه “صدامي” و”عنجهي” يصنع لنفسه مجدا شخصيا على حساب مصالح بلاده وينتهج سياسة تقودها إلى عزلة دولية بمواقفه ضد الكيان الإسرائيلي، هم الذين اتهموه اليوم بالانهزامية وبيع القضية الفلسطينية، عبر التطبيع مع الكيان الإسرائيلي يرى فيه البعض موافقة رسمية تركية على سياسة الحصار الإسرائيلي على القطاع.

ومع رفضي التام لتوجهات التطبيع مع دولة الاحتلال، إلا أن حسابات الدول والأمم تختلف عن حساباتنا الشخصية.

حسابات تركيا تقول إن عليها إعادة العلاقات مع إسرائيل، للخروج من العزلة الدولية، خاصة في ظل التحديات الداخلية والإقليمية التي تواجهها القيادة التركية على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، والتي تنذر بتهاوي المشروع النهضوي الذي ينفذه العدالة والتنمية، على مدى 14 عاما مضت.

حسابات تركيا تقول إن عودة العلاقات مع إسرائيل سيمنح أنقرة ممرا جيدا في الأروقة السياسية للغرب الأمريكي والأوروبي يخفف عنها الضغط بملف الأرمن.

حسابات تركيا تقول إن عودة العلاقات مع إسرائيل يسهم في تصفير المشاكل مع روسيا، حيث أن تركيا لا ترغب في أن تكون لديها عداوة دائمة مع الدول المطلة على البحرين الأسود والمتوسط وفق تعبير رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم.

حسابات تركيا تقول إن عودة العلاقات مع إسرائيل سيكون له انعكاساته الإيجابية على الاقتصاد التركي، وذلك من خلال أمرين:
الأول: أن ذلك يدعمها في قضية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وما يترتب عليه من تحول تركيا إلى مركز للصناعة والتجارة الأوروبية، والحصول على مكاسب اقتصادية إلى جانب المكاسب السياسية والأمنية.

الثاني: التعاون التجاري مع إسرائيل في مجال الغاز الطبيعي، حيث من الممكن أن تصبح تركيا التي تستورد الغاز من دولة الاحتلال منفذا حيويا لتصدير هذا الغاز إلى أوروبا.

البعد الاقتصادي في عودة العلاقات بين أنقرة وتل أبيب له أهمية قصوى لدى القيادة التركية، التي تعول على الازدهار الاقتصادي في بناء تركيا الجديدة.

يقول الدكتور عبد الله النفيسي: “عندما التقيته (أي أردوغان) قلت له: أنت الآن رئيس وزراء، وبيدك كثير من النفوذ، بينما شوارع اسطنبول فيها المظاهر المبتذلة التي تجرح الشعور الإسلامي فماذا أنت فاعل بها؟ قال: لا شيء، نحن سنركز على أمرين: الأول الاقتصاد، كيف ننعش الاقتصاد التركي بحيث يتطلع إلينا المواطن التركي لأنه سيزدهر في ظل حكومتنا. الشيء الثاني الذي سأركز عليها: إعادة تركيا إلى العالم الإسلامي”.

ولا شك أن تركيا قلقة اليوم بشأن اقتصادها خاصة في ظل العمليات الإرهابية التي تؤثر قطعا على قطاع السياحة.

تلك هي بعض الحسابات التركية في قضية إعادة العلاقات مع إسرائيل، لكن يبقى السؤال: هل جاء تطبيع تركيا العلاقة مع إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية؟ وخاصة قطاع غزة بإدارة حماس التي تعتمد كثيرا على الإسناد التركي من دعم سياسي ومادي وإيواء لقيادات الحركة وعناصرها؟

بمعنى آخر: هل تخلت تركيا عن دعم قطاع غزة وحركة حماس؟

قد تبدو الإجابة واضحة إذا انطلقنا من الشروط الثلاثة التي وضعتها تركيا لإعادة العلاقات مع تل أبيب بعد هجوم الجيش الإسرائيلي على أسطول الحرية الذي كان يحمل مساعدات إنسانية إلى غزة في نهاية مايو 2010، والذي أسفر عن مقتل تسعة أتراك على متن سفينة مرمرة وأصيب عاشر متأثرا بجراحه لاحقا.

الشروط الثلاثة كانت:
– اعتذار الحكومة الإسرائيلية.
– دفع تعويضات مادية إلى عائلات الشهداء.
– ورفع الحصار عن قطاع غزة.
لو لم تكن غزة في بؤرة الاهتمام التركي لاكتفت تركيا بالشرطين الأول والثاني، أو ربما أضافت إليهما بعض الشروط الأخرى المرتبطة بمصالحها، بل كان الشرط الثالث هو السبب الرئيس في عرقلة المفاوضات الجارية منذ فترة طويلة.

على الرغم من أن شرط رفع الحصار لم يتحقق إلا أن تركيا حققت خلال المفاوضات أقصى ما يمكن تحقيقه للقطاع، عبر الاتفاق على إيصال المساعدات الإنسانية والأجهزة والمعدات إلى غزة، وأن تسمح لها إسرائيل ببناء محطة لتوليد الكهرباء في القطاع، إضافة إلى محطة تحلية، وبناء مستشفى، ومشاريع أخرى، توقع خبراء أنها ستؤدي في المستقبل القريب أو المتوسط إلى إقامة المطار والميناء في غزة.
الذين يزايدون على القيادة التركية ويطالبونها برفع شعارات الممانعة مع دولة الاحتلال ولا ينظرون إلى الواقع المأساوي في القطاع الذي تخلت عن دعمه معظم الدول العربية والإسلامية، أولئك قد استراحت عقولهم بهذا التنظير.

الحديث عن المقاومة بالسلاح دون وجود الخبز هو شأن من يتحدثون من على مكاتبهم في الغرف المكيفة، فكما ينشد البعض أن تساند تركيا المقاومة في غزة ضد العدو الصهيوني، لابد وأن تتجه تطلعاتهم كذلك إلى تحسين الحالة المعيشية للقطاع.

لذا كان إدراج تحسين الوضع المعيشي في غزة – عن طريق المساعدات – ضمن بنود المفاوضات، أمرا محمودا يُحسب للجانب التركي.

من البنود التي كانت محل استنكار في العالم الإسلامي والعربي، اتفاق الطرفين على عدم سماح تركيا لحركة حماس بأي أنشطة عسكرية ضد إسرائيل انطلاقا من الأراضي التركية.

وهو بند أراه نظريا، لأن العمليات العسكرية يخطط لها وينفذها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري للحركة، وليس رئيس أو أعضاء المكتب السياسي، علما بأن الاتفاقية قد أبقت على مكتب حماس في تركيا للقيام بالأنشطة الدبلوماسية.

كما يأتي ذلك البند مقابل تنازل إسرائيل عن شرط طرد قادة الحركة من تركيا، وهو أمر يحسب كذلك للجانب التركي المُفاوض.

لقد سبق توقيعَ الاتفاقية، زيارةٌ رسمية قام بها خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس، إلى القصر الرئاسي في “بيشتيبه”، حيث التقى أردوغان، في لقاء وصفته القناة الثانية العبرية بأنه “مثير للجدل”، حيث تمت خلاله مناقشة بنود الاتفاقية.

وكلها دلالات على أن حماس تتفهم الموقف التركي من عودة العلاقات مع إسرائيل، وأن أنقرة حققت أقصى ما يمكنها تحقيقه لغزة.

قل ما شئت عن اعتراضك على التطبيع من أصله، وقل ما تريد عن المصالح الإسرائيلية المتحققة من التطبيع، ولكن يُحسب للقيادة التركية أنها عندما تحركت من أجل مصالحها، لم تُسقط من حساباتها القضية الفلسطينية، ولا أهل غزة الذين يكابدون الجوع والمرض جراء الحصار، ولا حركة حماس رمز المقاومة والصمود في وجه العدو الصهيوني.

  • كاتبة أردنية متخصصة في الشأن الإسلامي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى