مقالات

السعودية الخضراء .. ترسم خارطة طريق للحفاظ على البيئة

بقلم د. مصطفى حسين كامل
أستاذ بعلوم القاهرة وزير البيئة الأسبق

دراما تلفزيونية, دراما سينمائية … مصطلحات في عالم الانتاج الفني و التمثيل اعتدنا سماعاها و نعيش أوقات فراغنا بانتظار الجديد من القصص و النهايات التي غالبا ما نريدها سعيدة.

دراما بيئية, مصطلح جديد ولد من رحم الأرض الأم ليصرخ بوجه الانسانية الشرسة. هي دراما مختلفة بكل معاييرها, فلا الممثلون يؤدون أدوار مزيفة مؤقتة و لا النهاية سيكون فيها شيء من السعادة.

حكومات, مجتمعات, أفراد, مؤسسات, مصانع و غيرها, كلها أسست مجتمعة عملا دراميا مبتكرا على مستوى عالمي. فخر الصناعة البشرية غير المسؤولة منافسا أقرانه في هوليوود يلف شاشات الدول و العواصم كلّها تاركا بصمات و أثار مبكية موجعة لا بل مدمّرة.
من كندا, السيناريو البيئي الكارثي يحبس الأنفاس مع درجات حرارة لم يشهدها البلد في السابق و التي سجّلت 50 درجة مئوية فاندلعت الحرائق الملتهبة و قضت على ألاف الهكتارات من المساحات الخضراء. مئات القتلى و أكثر من 240 حريق لم تخمد بالكامل بعد. تركيا و اليونان ليسا بحال أفضل, فالبلدان في حداد على ابشع ما مرّ عليهما من كوارث كانت فوق المتوقع و فوق قدرة المعالجة السريعة.

ضحايا كثر, مشردون أكثر و دمار أكبر و أكبر, ذاك هو المشهد التركي المبكي.

في نيويورك, الولايات المتحدة الأمريكية, و نتيجة لارتفاع الحرارة فوق معدلاتها الطبيعية, طلب من السكان التوقف عن استخدام الأجهزة عالية الطاقة مثل مكيفات الهواء من أجل سلامة شبكة الكهرباء.

في روسيا, حرارة تصل الى 35 درجة, هي الأعلى في البلاد منذ أزمنة طويلة و في الهند, تضرر عشرات الملايين مع ارتفاع الحرارة سبع درجات أعلى من المعتاد.

عربيا, أعلن العراق عطلة رسمية بعد تجاوز الحرارة الخمسين درجة و انهيار شبكة الكهرباء و في الكويت, تسجيل أعلى درجة حرارة عالميا, 54 درجة في الظل و 70 درجة في الشمس. على حد توقّع العلماء, فأن موجات الحر ستكون أكثر شدة و تواتر بين العام و العام, فهل أصبح نصف الكوكب الشمالي غير صالح للسكن؟ و هل نحن نواجه حقا خطرا كبيرا في الزوال واضعين نهاية بشعة للحياة على الكوكب؟؟ أهكذا نودّ أن ينتهي عملنا الدرامي البيئي؟؟

حالة استنفار عالمية خاصة في الولايات المتحدة الأميركية و دول الأتحاد الأوروبي, و لكن على ما يبدو أن الخطوات أبطئ من حجم الخطر الذي يحاصر الكوكب.
هذا هو عملنا الدرامي بملخص صغير و تفاصيله تكفي لملء الشاشات العالمية لسنوات و سنوات, فحلقات كوارثنا البيئية لا تعد و لا تحصى من زلازل و براكين و هزات أرضية و تلوّث الهواء و البحار و المحيطات و الانقراض البيولوجي و سوء ادارة النفايات و غيرها الكثير.
ازاء هذه المأسي العالمية المشتركة, أليس من الموضوعية و الشفافية أن نطلق مصطلح ” الدراما ” على الواقع البيئي؟؟ و الاستفهام هنا, أية نهاية نريد لعملنا هذا؟ نحن البشر جميعنا , نشكل فريق هذا العمل من منتجين و ممثلين و مخرجين و مصوّرين و محررين و ما الى هنالك من أدوار و مهام.

الكل مهم و الكل أساسي في انجاح أي عمل و لكن يبقى الدور الاكبر للمخرجين الذين يبرزون جوانب براعتهم و ابتكارهم الجذاب و المقنع. وحدها الحكومات حول العالم تلعب هذا الدور في انتاجنا الدرامي البيئي فمسؤوليتها كبيرة و لكن امكانياتها أكبر لأن الخطب جلل أيضا.

أدوار كثيرة من الممكن أن تلعبها الحكومات و الدول في انقاذ الحياة و رفع مستوى التزاماتها تجاه التغيّر المناخي و خفض الانبعاثات التي تولّد الاحتباس الحراري.
و لكن, كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ و هنا نقف عند ضرورة التغييرو التطوير أو تعديل في المفاهيم و السلوك و الممارسات البيئية لكل بشري يعيش على سطح الكوكب. عاجلا أم أجلا, العودة الى الطبيعة هو ملاذنا الأخير نحو استمرار الحياة و الحفاظ على الكوكب. كلّها مفاهيم ممتازة يلزمها التطبيق العملاني على أرض الواقع. و في الحقيقة أن كل تغييرهو في الأصل مرتبط أشد الارتباط بمستويات الوعي عند الفئة المستهدفة و الفئة المسؤولة و الراعية لهذا التغيير.

اصدار القوانين و التشريعات و عقد المؤتمرات و اطلاق الحملات و الانذارات كلّها تبقى حبرا على ورق اذا لم تترافق مع عمل فعّال ملموس النتائج. هل نعي كلنا, نحن البشر الموزعون بين القارات و الدول مسؤولية نمط حياتنا و مفاعيله على البيئة؟ هل نعي نتائج كل فعل نقوم به أو أي ضرر نتسبب به تجاه بيئتنا؟ هل نعي المخاطر التي تواجهنا حاليا أم أننا فقط مجموعة من الببغاءات التي تردّد ما تسمع من نشرات الاخبار؟ هل نعي أننا مهددون بوجودنا و حياتنا؟ و هل نعي أننا كلنا مشاركون بما وصلنا اليه اليوم و اننا كلنا نستطيع التغيير؟

أسئلة تبقى مفتوحة بلا أجابات صريحة و واضحة !! فالعالم في فوضى عارمة تلخبط أنظمته الداخلية. فوضى السياسة, فوضى الاجتماع, فوضى الاقتصاد و المال … كوكب يفيض بالفوضى, فكيف هو متوقع للبيئة ان تكون ؟؟ كلنا في غيبوبة الصحوة, نائمون بعيون مفتوحة و عقول و أدمغة و قلوب تنتظر من يوعّيها.

و تبقى الاسئلة, من؟ و متى؟ و كيف؟ و أين؟؟

و الأجابة الأبرز تأتي خليجية و تحديدا من المملكة العربية السعودية التي يبدو أنّها أخذت على عاتقها حمل الراية البيئية الخضراء في المملكة و خارجها, معلنة اطلاق حزمة من المبادرات والتشريعات و الإستراتيجيات وفق رؤية 2030 لمعالجة التحديات البيئية ومنها الإستراتيجية الوطنية للبيئة ومبادرة السعودية الخضراء و الشرق الأوسط الأخضر لرسم خارطة طريق بيئية جديدة ذات معالم واضحة تساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. فهل هو شعور سعودي بالمسؤولية الكبيرة تجاه الكوكب على اعتبار المملكة من أهم الدول المنتجة للنفط و بالتالي من أبرز الدول المسببة للانبعاثات و الغازات السامة التي أجّجت الأزمة المناخية الحالية؟ تعد السعودية اليوم على لسان ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان بقيادة حقبة خضراء قادمة بالشراكة مع الدول العربية الشقيقة من خلال برنامج لأعادة التشجير وبرنامج لتطوير تقنيات أنتاج النفط لخفض انبعاثات الكربون.

من أرض النيل, مصر, برعاية فخامة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى ، انطلقت كذلك منذ العام 2019 و لمدة ثلاث سنوات حملة وطنية بعنوان ” اتحضّر للأخضر” و التي تهدف الى نشر التوعية البيئية بين المواطنين من خلال الإرشادات التعليمية و التثقيفية المبسطة و السهلة عبر وسائل الاعلام المرئي و المسموع ومواقع التواصل و اعلانات الطرقات و غيرها. تعزّز وزارة البيئة المصرية من خلال هذه الحملة دور الفرد في مجتمعه للحفاظ على البيئة و تغيير سلوكه البيئي من خلال ترشيد استخدامه للطاقة و الموارد الطبيعية و غيرها من القضايا البيئية الهامة مثل التخلّص من المخلّفات و هذا ما نحتاجه بشدة في مجتمعاتنا العربية, أشراك الفرد في عملية تغيير السلوك البيئي. “اتحضّر” بمعانيها التحفيزية الشاملة الداعية للحضارة و التحضّر للأفضل مستمرة و موزّعة على كافة أراضي مصر العربية علّنا نشهد في بلادنا العربية نهاية سعيدة قريبة لدراما بيئية قوّضت الطبيعة و حرمت الأنسان و سائر الكائنات الحية برا و بحرا من الحياة الصحية السليمة .
و لعلّ عدوى المبادرات البيئية تنتشر في كافة المجتمعات و عند سائر الحكومات العربية لنشهد قفزة نوعية في تجديد العهد مع الطبيعة في عالمنا العربي,

لعل و عسى !!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى