ثقافة

 الدكتور عبد العزيز خوجه .. تجربة ام رواية ؟

بقلم – عدنان صعيدي:

لا اعرف لماذا قرأت كتاب معالي الدكتور عبد العزيز خوجه ( التجربة ) كرواية وليس سيرة ذاتية او توثيقا سياسيا، لعل كثرة الأماكن والاحداث والشخصيات سببا رئيسا في ذلك بالإضافة الى الاستهلال بالحالة الإنسانية اجتماعيا في الفصل الأول والتي اشعرتني ان وفاة والده بمثابة اكبر وآخر الاحزان كما فعل ميخائيل نعيمة في كتابه “جبران خليل جبران” حيث استهل الفصل الأول بالحشرجة وغرغرة الاحتضار غر ــ غر . . . غر ــ، ايضا ما تميزت به كل فصول الكتاب من سرعة في المشاهد حتى وان كان عددها كبيرا كما الحال في الفصل السابع الذي خصص عن سفارة لبنان من أسباب قراءتي الكتاب كأنه رواية .

احسب ان مخرجي السينما والتلفزيون ينظرون الى الروايات التي تكتب أصلا للقراءة انها جماد وبرؤيتهم الفنية تحول تلك الروايات الى جسد فني فيه حياة، ولذلك اعتبر الاديب الكبير الروائي نجيب محفوظ ان ما اخرجه حسن الامام لم يكن روايته فالتي كتبها هي روايته ــ احسب انه هكذا قال ــ غير ان بعض كتاب الرواية والقصة يكون لديهم بعد فني فيجعلون ضمن نصوصهم بعض النوافذ مشرعة تتيح الفرصة لمخرجي السينما والتلفزيون للدخول الى عمق قصصهم ورواياتهم وتساعدهم بشكل كبير على تحويل تلك الروايات والقصص الى اعمال تلفزيونية او سينمائية، وفي ظني ان سرعة المشاهد وتنوع الاحداث ومزج السياسة بالأدب بالجانب الاجتماعي في كتاب معالي الدكتور خوجه نوافذ مشرعة للمخرجين أصحاب الخيال والقدرة الفنية المهنية حيث تعتمد السينما والتلفزيون على الصورة اكثر من اعتمادها على الكلام .

الحديث عن الكتاب ( التجربة ) يختلف عن الحديث عن شخصية الكاتب لكن الامر بالنسبة لي يصعب الفصل في ذلك لأنني غير مختص في النقد الادبي ولمعرفتي بالكاتب ــ معرفة محدودة ــ فهو الوكيل والوزير وانا موظف، ولكن ليس لدرجة الابتعاد عن المضمون .

بعد مغادرة معالي الدكتور عبد العزيز خوجه وزارة الثقافة والاعلام أقيمت له حفلات عدة لتكريمه كما ذكر ذلك في الفصل الثامن والأخير ومنها حفل “منتدى امطار” للأستاذ نجيب الزامل ــ يرحمه الله ــ ، وقد دعيت الى ذلك الحفل وطلب مني ان القي كلمة بالمناسبة، وقد تحدثت كموظف وليس كصديق لمعاليه فقلت : بعضنا صنف معاليه انه من الدراويش وكما تعلمون هو ليس كذلك لكنه محترف للدبلوماسية لدرجة اقناعك انه من الدراويش .

وهذا بالفعل ما حاول الدكتور الخوجه ايهام القارئ به في مواقف عدة في الفصول الأولى وساعده في ذلك استعراضه لحياة النشأة في مكة ثم تركه الدراسة في القاهرة المناخ الخصب للإبداع خاصة في الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي ليكمل دراسته الجامعية في الرياض التي لم تكن كرياض اليوم، وحديثه عن سفارته في المغرب وكيف كان يتلمس مواطن الجمال ومصادره من خلال علاقاته الثقافية والفنية التي امتدت الى زياراته المتعددة للأندلس ومواقع استنهاض الهمم والهام الشعراء .

وكإذاعي متقاعد بحثت عن موقع الإذاعة في الفصل الثامن من الكتاب الذي خصص لتولي معاليه وزارة الثقافة والاعلام فلست على دراية بالسياسة او الدبلوماسية لأتحدث عن ما اشتمل عليه الكتاب من احداث وظروف ومواقف سياسية ودبلوماسية فاحزنني ان حديث معاليه عن الإذاعة كان اقل من عابر بل ان معاليه لم يشر ولو بجملة قصيرة عن إذاعة نداء الإسلام التي تحولت في عهده الى إذاعة مستقلة تبث بموجات مستقلة على مدار الساعة بعد ان كانت تبث فترتين منفصلتين على مدى خمسين عاما كل فترة لا تزيد عن ساعتين، حيث استصدر معاليه موافقة مجلس الوزراء على ذلك التطوير بعد ان ظل حبيسا ادراج مكاتب من سبقوه من الوزراء منذ ان صرح في عام 1403هـ معالي الدكتور محمد عبده يماني ــ يرحمه الله عندما كان وزيرا للإعلام ــ ان إذاعة نداء الإسلام سوف يبنى لها مقر في مكة يشمل ثمانية استديوهات وتكون مستقلة ببثها وكان حينها الدكتور الخوجه وكيلا للشئون الإعلامية .

يبدو ان معاليه أيضا تعامل مع الإذاعة في هذا الكتاب كما قال لي ذات يوم مدير عام الإذاعة “الأسبق” الأستاذ حسين العسكري : ( التلفزيون يا اخ عدنان هو الابن الشرعي للإذاعة لكن البعض يعاملنا على اننا أبناء الزوجة الأولى .)
على العموم انا شخصيا سامحت معالي الدكتور عبد العزيز خوجه ــ دنيا وآخرة ــ وارجو ان يسامح معاليه مراقب المدرسة في المرحلة الابتدائية الذي وضعه في الفلقة وضربه بالعصا على قدميه ضربا شديدا بسبب ان معاليه كان يمتطي دراجة في اليوم السابق فلما رأى المراقب ذهب اليه مسلما فأصرها المراقب في نفسه واخرجها ضربا مبرحا في صباح اليوم التالي فأثرت تلك الحادثة في نفسية معاليه حتى قال ( ولن اسامحه، حتى آخذ حقي منه عند رب العالمين ) . . نعم ارجو معاليه ان يسامحه فجزاء العفو ارقى واكبر من اخذ المظلمة .

أخيرا شكرا جزيلا للصديق الأستاذ عمر جستنية على تفضله بإهدائي الكتاب وانصحه الا ينتظر قيمته من معالي الدكتور الخوجه كما المح الى ذلك فقد حالت ظروف توقف الرحلات الجوية الى عدم وصول نسخ كثيرة لمعاليه حتى يتمكن من اهدائها فبادر الأستاذ جستنية باستيراد نسخة لي، كما ارجو صادقا ان تلتفت “جداول للنشر والترجمة والتوزيع ” التي صدر عنها كتاب التجربة للإنتاج الفني وتقوم بإنتاج عدد من الاعمال التي تصدرها فهي بحق اصدارات لها قيمتها الثقافية الكبرى .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى