محليات

باحثة سعودية تستخدم دودة القز لإنتاج بروتين يقاوم خلايا الورم السرطانية

جدة – أحمد الزهراني:

استخدم باحثون في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في المملكة العربية السعودية لأول مرة دود القز لإنتاج بروتين ارتباطي يسمى إي-سيليكتين، وهو من البروتينات التي توجد بصورة طبيعية على سطح الخلايا المبطنة لجدران الأوعية الدموية، ويلعب دورًا رئيسًا في التقاط الخلايا من مجرى الدم والإمساك بها ليساعدها على الدخول إلى الأنسجة.
حركة الخلايا في مجرى الدم والأوعية الدموية أشبه بشيء مادي يتدفق سريعًا باستمرار في ماء نهر، لذا فإن هذه الخلايا بحاجة للإمساك بشيء على جانبي الوعاء الدموي لتهرب من تيار الدم السريع وتدخل الأنسجة، يؤدي بروتين إي-سيليكتين هذه الوظيفة الارتباطية، فتركيبته الهيكلية الشبيهة باليد تعينه على التقاط الخلايا وإبطاء حركتها لتدخل إلى الأنسجة المختلفة وتأدية دورها الحيوي.
يشارك إي-سيليكتين في العمليات الحيوية الطبيعية والمرضية في الجسم؛ فمثلًا يجتذب كريات الدم البيضاء إلى الأنسجة والأعضاء المصابة لمقاومة العدوى، ويرتبط بخلايا الورم السرطانية المتدفقة في الأوعية الدموية، ما قد يساعد في انتشار الأورام السرطانية، بالإضافة إلى مشاركته في هجرة الخلايا الجذعية الدموية من الدم إلى النخاع العظمي.
وقالت فجر العيسى المؤلفة الأولى للدراسة في حوار خاص مع مرصد المستقبل «إن فهم طبيعة وديناميكية التفاعلات التي يؤديها بروتين إي-سيليكتين ودراسة تركيبته الهيكلية التي تمنحه القدرة على التقاط الخلايا واستقطابها، سيساعد بصورة أساسية في تطوير أفكار لتعزيز التفاعلات الحيوية أو منعها وفقًا لظروف الخلايا.»
وأضافت «أنتجنا ولأول مرة بروتين إي-سيليكتين من دود القز، بفاعلية مماثلة تمامًا للبروتين المنتج من خلايا الثدييات، ثم أجرينا مجموعة من الاختبارات لقياس قدرة إي-سيليكتين المُصنع على الارتباط بالبروتينات الموجودة على الخلايا السرطانية بصورة ديناميكية، وحددنا سرعة حركة الخلايا السرطانية وقوة ارتباطها بالبروتين، وكشف البحث ولأول مرة عن معلومات في التركيبة الهيكلية لبروتين إي-سيليكتين وطبيعته الارتباطية، إذ تبين أن استقطاب إي-سيليكتين للخلايا وتفاعله مع البروتينات الموجودة على سطحها لا يتوقف على  مقطع اللكتين المكون له فحسب والذي يمثل اليد التي تلتقط الخلايا، بل إن مقطع المتتابعات القصيرة المتكررة الموجود ضمن بروتين إي-سيليكتين يلعب دورًا أساسيًا في تعزيز ارتباطه بالخلايا، إذ يؤدي دورًا مباشرًا في سحب الخلايا من تدفق الدم السريع داخل الأوعية الدموية من خلال زيادة طول ذراع البروتين ليلتقط أفضل وبزاوية رسغ مفتوحة أكثر.»
وأوضحت «إن تقييم قدرة مقاطع هيكل إي-سيليكتين على منع التفاعلات غير المرغوبة أثناء تطوّر الأمراض المختلفة، ربما يؤدي إلى نتائج مثيرة للاهتمام، وندرس حاليًا في مختبرنا قدرة مقاطع هيكل إي-سيليكتين المختلفة والناتجة عن هذه الدراسة في منع تفاعلات الخلايا السرطانية مع البروتين الموجود بشكل طبيعي على الخلايا المبطنة للأوعية الدموية، وتأثير ذلك على نمو السرطان بهدف الحد من انتشار خلايا الورم السرطانية، والتي تُعد سببًا رئيسًا لوفيات السرطان في جميع أنحاء العالم.»
أظهرت بعض الدراسات البحثية أن تفاعل بروتين إي-سيلكتين مع الخلايا السرطانية مرتبط ارتباطًا وثيقًا بزيادة انتشار خلايا الورم بين الأنسجة، إذ تستخدم هذه الخلايا السرطانية ربيطات (ligands) مشابهة تمامًا للربيطات الموجودة على كريات الدم البيضاء والتي تستخدمها الكريات للارتباط مع بروتين إي-سيليكتين للدخول إلى الأنسجة للقضاء على الإصابة.
وتابعت الباحثة «أظهرت الدراسات أيضًا أن خلايا سرطان الدم تستطيع حماية نفسها من العلاج الكيميائي من خلال تفاعلها مع بروتين إي-سيليكتين المبطن للأوعية الدموية في البيئة الدقيقة لنخاع العظم، لذلك فإن استخدام إي-سيليكتين الصناعي المنتج في هذا البحث قد يمنع تفاعلات خلايا سرطان الدم مع بروتين إي-سيليكتين الطبيعي الموجود في البيئة الدقيقة للنخاع، وبهذا تتحسن استجابة سرطان الدم للعلاج الكيميائي.»
يبين البحث ولأول مرة أنه على الرغم من أهمية المقاطع العديدة المكونة لهيكل بروتين إي-سيليكتين لأداء وظيفته، إلا أنه من الممكن استخدام نسخة قصيرة من هذا البروتين والتي تحتوي فقط على مقطعين من المتتابعات القصيرة المتكررة، أو ربما لا تحتوي على أي من هذه المقاطع لكنها تتضمن طفرة محددة في مقطع اللكتين كمثبط، إذ تعمل هذه الطفرة على تحسين قدرة البروتين القصير على الارتباط بشكل فعّال ومماثل للبروتين الكامل، لذا فإن هذا البحث قد يكون بمثابة أساس لصنع مضادات ومثبطات جديدة للأمراض.
وقالت العيسى «على الرغم من إمكانية إنتاج البروتينات الوظيفية وبروتين إي-سيليكتين بالاعتماد على خلايا الثدييات، إلا أن هذه الطريقة مرتفعة التكلفة وتنتج البروتين بكمية قليلة، ما يقيد استكمال الدراسة والبحث، وقد يلجأ البعض أيضًا إلى استخدام الخلايا البكتيرية لتميزها بالإنتاجية العالية وانخفاض تكلفتها، إلا أن الخلايا البكتيرية لها عيوبها لأنها بدائية النواة، إذ أن إنتاج بروتينات الثدييات في هذه الخلايا البدائية قد ينتج عنه بروتينات غير صالحة وظيفيًا، لذا لجأنا إلى استخدام دود القز للحصول على بروتين إي-سيليكتين، نظرًا لتميز دود القز بإنتاج بروتينات آدمية فعالة على نطاق واسع وإنتاجية عالية بتكلفة أقل، وتعاونا مع البروفيسورين كوساكي ولي من جامعة كيوشو في اليابان، وهم خبراء عالميين في إنتاج البروتينات من دود القز، وبناء عليه تُعد دراستنا البحثية خيارًا سهلًا لإنتاج بروتين إي-سيليكتين من دود القز بدلًا من إنتاجه في خلايا الثدييات بالطريقة التقليدية، وهذه هي المرة الأولى التي يُنتَج فيها بروتين إي-سيليكتين بهذه الطريقة، ما قد يفتح المجال لاستخدام دود القز في إنتاج بروتينات تعزز معرفتنا في مختلف المجالات.»
استُخدِم دود القز لإنتاج البروتينات لأول مرة عام 1985، ومنذ ذلك الحين أُدخلت العديد من التحسينات والطفرات لإنتاج سلالات عدة منه، قادرة على إنتاج بروتينات معينة بوظائف مختلفة.
واجهت العيسى تحديات عدة أهمها إنتاج بروتين إي-سيليكتين بكمية وفيرة واقتصادية، إذ استخدمت خلايا الثدييات في بادئ الأمر، إلا أن هذه الطريقة لم تؤمن كمية البروتين اللازمة لاستكمال البحث والدراسة، فضلًا عن استهلاك موارد كثيرة لفترة طويلة، لكن سرعان ما تحول هذا التحدي لأكبر ميزة في الدراسة، إذ دفعها ذلك الأمر للتوجه إلى إنتاج البروتين باستخدام دود القز.
وبينت الباحثة أن فكرة الدراسة نابعة من دهشتها المستمرة من تفاعل الخلايا مع بيئتها، إذ أن سطح الخلايا ما هو إلا واجهة لبيئتها، حيث تتوسط التفاعلات الخلوية مع بعضها البعض وتنقل الإشارات الخارجية داخل الخلايا لتنظيم العديد من العمليات الحيوية مثل الهجرة الخلوية والتمثيل الغذائي والانقسام والتمايز الخلوي، وتُعد أنظمة التفاعلات الخلوية هذه أساسية لفهم كيفية التلاعب بأنواع الخلايا المختلفة مثل الخلايا المناعية والخلايا السرطانية والخلايا الجذعية للتحكم بالالتهابات ونمو الخلايا السرطانية وانتشارها وحتى زرع الخلايا الجذعية وتجديد الأنسجة.
تُعد الدراسة البحثية ثمرة تعاون بين جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في المملكة العربية السعودية وجامعة كيوشو في اليابان وتحت إشراف الأستاذ المشارك ياسمين مِرزبان.
الباحثة في سطور
حصلت فجر العيسى على بكالوريوس في تخصص التقنية الحيوية الطبية من جامعة الطائف في المملكة العربية السعودية، ثم انتقلت إلى جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية حيث حصلت على درجتي الماجستير والدكتوراة في تخصص علوم الأحياء، وانضمت لمختبر هجرة وتأشير الخلايا تحت إشراف الباحثة الرئيسية والأستاذ المشارك ياسمين مِرزبان، إذ أنهت دراستها العليا في الجامعة في ديسمبر 2019.
تتركز خلفية الباحثة العلمية على دراسة المعضلات البيولوجية من خلال فهم جوانب عدة في بيولوجيا الخلايا، فمن خلال أبحاثها استطاعت أن تطور خبرة متعمقة في مجال بيولوجيا الخلايا وتقنيات الكيمياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية، فضلًا عن مشاركتها في عدد من الأبحاث الدولية والمحلية التي اشتملت على موضوعات مختلفة مثل تعديلها لخلايا الثدييات وراثيًا لإثبات تقنيات توصيل الأدوية الكيميائية، ووصفها لسلوك طفرة فريدة من نوعها تؤثر في تطوير الاضطرابات العصبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى