ثقافة

(حكايات تراثية) “جرير” الخصم اللدود لـ”الفرزدق” يمدحه بقصيدة عصماء !!

 

محمد خضر

  محمد خضر الشريف

هذه واقعة غريبة في تاريخ الأدب العربي ، تتلخص في مدح الشاعر العربي الشهير “جرير” وهو  الخصم اللدود للشاعر العربي الشهير أيضا “الفرزدق” يمدحه جرير بقصيدة عصماء !!

كلنا نعرف النقد اللاذع من الشاعر جرير، للشاعر الفرزدق، وعرف تاريخ الأدب ماسمي بـ”المناقضات” بينهما وهي حرب هجائية لاذعة وممتعة في الوقت نفسه، مما ذاع صيته، وانتشر بين المشتغلين بمهنة الأدب عامة والشعر خاصة..
ولن تكفي المساحة لسرد ما وقع بين جرير والفرزدق من هجاء لاذع قاذع بينهما ومساجلات ومناظرات قاتلة نقلتها المجالس الأدبية سيما ماكان فيها مجالس بعض الخلفاء والأمراء ..
إلا أن الغريب والعجيب أن” جرير” -وهو زرب اللسان شعرا ضد” الفرزدق”- يمدحه، نعم يمدحه، ويبرز سجاياه الحميدة ، بشكل لم يخطر لا على بال الفرزدق أو محبيه ومؤيديه، ولا حتى على بال جرير نفسه؛ والسبب هو موت الفرزدق!!
رثا جرير الفرزدق عند موته بقصيدة جميلة كانت أشبه بالمدح لصاحبها أكثر منها رثاء.. وإليكم أبياتها الصادقة ..

لعمري لقد أشجى تميماً وهدها //
على نكبات الدهر موت الفرزدق
عشية راحوا للفراق بنعشه //
إلى جدثٍ في هوة الأرض معمقِ
لقد غادروا في اللحد من كان ينتمي//
إلى كل نجم في السماء محلقِ
ثوى حامل الأثقال عن كل مُغرمٍ //
ودامغ شيطان الغشوم السملقِ
عماد تميم كلها ولسانها //
وناطقها البذاخ في كل منطقِ
فمن لذوي الأرحام بعد ابن غالبٍ //
لجارٍ وعانٍ في السلاسل موثقِ
ومن ليتيم بعد موت ابن غالب//
وأم عيال ساغبين ودردقِ
ومن يطلق الأسرى ومن يحقن الدما //
يداه ويشفي صدر حران مُحنَقِ
وكم من دمٍ غالٍ تحمل ثقله //
وكان حمولاً في وفاءٍ ومصدقِ
وكم حصن جبار هُمامٍ وسوقةٍ//
إذا ما أتى أبوابه لم تغلق
تفتح أبواب الملوك لوجهه //
بغير حجاب دونه أو تملُقِ
لتبكِ عليه الأنس والجن إذ ثوى//
فتى مُضرٍ في كل غربٍ ومشرقِ
فتىً عاش يبني المجد تسعين حجةً//
وكان إلى الخيرات والمجد يرتقي
فما مات حتى لم يُخلف وراءه//
بحية وادٍ صولةً غير مصعقِ

( انتهت)
معان بعض الكلمات الصعبة
الجدث = القبر. هوة= المكان العميق ومنه بالعامية” مكان هو”.

اللحد= أيضا القبر.
ثوى أي أقام في حياته
المغرم = من عليه مال . الغشوم = الظالم . السملق= الطويل
البذاخ = المبدع. العاني = الأسير .الساغبون = الجائعون . الدردق= الأطفال
حران مُحنَقِ= مغتاظ كاد الغيظ يهلكه.

تسعين حجةً= أي تسعين سنة كاملة.
بحية وادٍ صولةً غير مصعقِ أي هزم أعداءه في كل واد غير مصعق أي ميت.

%d8%b5%d9%88%d8%b1%d8%a9

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى