مقالات

طرح “أرامكو” .. فائض قوة سعودي!

بقلم – عماد الدين أديب:

حذروا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان منذ 4 سنوات من فكرة طرح أي حصة من ملكية أسهم شركة أرامكو العملاقة، ورغم ذلك كوّن الرجل فرقاً من إداريين وماليين سعوديين وعالميين عملت 3 سنوات بشكل انتحاري لتحقيق مشروع الطرح.
إصرار ولي العهد السعودي أثبت للجميع أنه كان في قراره هذا في قمة الصواب، وكانت مخاوف معارضي الطرح شديدة الخطأ ومبالغة في الخوف.
الخائفون، قالوا له إن طرح 2٪ قد يكون مخيباً للآمال في وضع قيمة سوقية متدنية لأرامكو، وبحيث قد يتجاوز تريليوناً ومائتي مليار، وجاءت نتيجة الطرح الأولي بتقدير قيمة سوقية فعلية يوم الخميس الماضي تفوق تريليوني دولار أمريكي، وهو أمر فاق توقعات الدراسات التي حددت تريليوناً ونصف التريليون حدا أدنى للتقدير، وتريليوناً وسبعمائة مليار حدا أقصى، ومن دواعي الفخر أن تكون شركة الطرح هي سعودية “البنك الأهلي – الأهلي كابيتال”.
الخائفون كانوا يترددون في طرح الشركة التي تأسست بالكامل عام 1988 وجاهدت حكومات متعاقبة في السعودية لامتلاكها بالكامل من أي شراكة أجنبية.
أهم ما في طرح “أرامكو” أنها فكرة إبداعية لتعظيم المدخول الوطني لتمويل أكبر مشروع عملاق للنهضة السعودية دون استدانة أو تحميل المواطن السعودي أي أعباء للأجيال المقبلة، خصوصا أن آخر أرباح للشركة بلغت 111 مليار دولار عام 2018 بما يفوق “أبل” و”جوجل” و”موبيل” مجتمعة!
ذلك كله يؤكده كشف النتائج الأولية لطرح “أرامكو” والذي يؤكد بالأرقام الآتي:
1 – بلغت قيمة الشركة السوقية حتى مساء الخميس الماضي، تريليون دولار لتصبح أكبر شركة عملاقة تطرح أسهمها على مستوى العالم كله.
2 – تم تحصيل 25.6 مليار دولار أمريكي للاكتتاب الذي تمت تغطيته بنسبة 465٪ بسعر اقتناص 32 ريالاً سعودياً وصل حتى كتابة هذه السطور إلى 36 ريالاً و80 هللة.
3 – دخل مؤشر شركة تداول السعودي في قائمة أهم شركات أسواق المال كي تحتل المركز التاسع عالمياً حسب حجم سوقها.
4 – سيتم تخصيص عائد هذا الطرح لتمويل أكبر مشروعات عملاقة في تاريخ المملكة مثل:
“مدينة نيوم”، ومشروع “البحر الأحمر” ومشروع “القدية”، ومشروعات توطين صناعة السلاح وغيرها.
5 – أعطى الطرح فرصة للمواطنين أن يمتلكوا ويستفيدوا من الشركة الوطنية التي تدير لهم الثروات الوطنية والموارد المعدنية الموجودة فوق وتحت باطن الأراضي السعودية، وهو ما يجعل “أرامكو” شركة من الشعب وللشعب.
6 – أدى ذلك إلى تحول “أرامكو” بعد هذا الطرح من شركة مملوكة لمالك واحد، وهو الدولة، إلى توسيع نسبة المشاركة لتصبح 5 ملايين مساهم.
ذلك كله لفت الانتباه الإقليمي والعالمي بأن الطرح يتعدى مجرد مشروع عملاق له عوائد مالية فقط.
بعث دبلوماسي غربي في الرياض برسالة إلى وزارة خارجية بلاده يحلل فيها نتائج طرح اكتتاب شركة أرامكو بالتحليل والأرقام، ثم اختتمها بقوله: “إن السعودية بعد تاريخ طرح أرامكو غيرها ما قبل الطرح”، وأضاف: “لقد أصبح لدى الرياض فائض قوة سياسي واقتصادي، والأهم ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن رهان الملك سلمان بن عبدالعزيز على ولي عهده الأمير محمد كان مصيباً وحكيماً”.
يتحدثون هنا في الرياض عن فائض القوة الجديد للقيادة السعودية الناتج عن:
1 – النجاح الكبير في طرح نسبة من أسهم شركة أرامكو وتعظيم قيمتها السوقية حتى بلغت أكثر من تريليوني دولار ليجعلها أعلى قيمة سوقية لشركة في العالم.
2 – التهدئة في الأوضاع السياسية والأمنية في اليمن بعد نجاح الاجتماعات التي تمت برعاية سعودية.
3 – الرضاء الشعبي، وبالذات في فئة الشباب (تحت 30 عاماً) التي تمثل الأغلبية في التركيبة السكانية السعودية من عمليات التحديث والانفتاح الاجتماعي وتطوير مناخ جودة الحياة.
4 – نجاح قمة الخليج الأخيرة التي عقدت في الرياض في إجبار قطر على طلب صريح للمصالحة، وإن كانت “الطبخة” لم تنضج بعد، إلا أن الجانب القطري أعلن صراحة الرغبة في إنهاء حالة القطيعة الضاغطة عليه.
5 – ظهور مؤشرات موازنة 2019 – 2020 بما يبشر بتناقص في العجز، وارتفاع الإيرادات السيادية وتحسن القدرة على تحصيل حقوق الدولة.
6 – انفتاح السعودية الجديدة بمجموعة من “إجراءات ثورية” للتخفيف من عقبات العمل والاستثمار والزيارة وتسجيل الشركات في المملكة، مثل حق الأجانب في إقامة الشركات، وإعفاء 49 جنسية من التأشيرة المسبقة، وتسهيل شروط العمل والإقامة، وجعل مدن السعودية جاذبة للسياحة بوجه عام بعدما كانت مقصورة على السياحة الدينية.
السعودية الجديدة، ذات فوائض القوى التي تراكمت منذ بدء مشروع رؤية 2030 ستكون لها عدة نتائج كبرى يمكن تحديدها على النحو التالي:
1 – دخول الرياض التي سوف تستضيف قمة العشرين، من خلال هذه العناصر وزيادة مكانة الصندوق السيادي السعودي إلى نادي “الكبار المؤثرين في الاقتصاد العالمي”.
2 – هذه العضوية ذات التأثير المالي سوف تنعكس بالضرورة على مركزها السياسي في ظل منطقة تعاني من صراعات إقليمية تلعب فيها أنقرة وطهران أدواراً خطيرة وسلبية للغاية.
3 – تضاعف حالة الرضاء الشعبي الداخلي عن القيادة السعودية بشكل يعطيها تفويضاً غير مسبوق عبر “شرعية الإنجاز” لإحداث “نقلات عملاقة وإحداث تغييرات هيكلية” عظمى في تركيبة البلاد ومستقبل العباد.
وكما يقول رجل الشارع السعودي ممتدحاً مدينة جدة بالشعار الشهير “جدة غير”، يمكن القول إن السعودية اليوم، بعد طرح “أرامكو” يمكن أن يقال عنها “السعودية غير”!

نقلاً عن “الوطن المصرية”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى