مقالات

الجيل الرابع من الحروب ..وتضليل الرأي العام (2-4)

بقلم: حامد تاج الدين

قانوني واكاديمي مصري

11121770_10200412412951072_98912349_nحروب الجيل الرابع هي الأحدث ، وتعد من الأشكال الجديدة للحروب حيث استخدم هذا المصطلح لأول مرة عام 1989 من قبل فريق المحللين بالولايات المتحدة الأمريكية.
وقد عرف الدكتور ماكس مانوار ينك ( أحد الخبراء العسكريين الأمريكيين والباحث والمحلل الاستراتيجي بمعهد الدراسات الاستراتيجية ) حرب الجيل الرابع في محاضرة علنية بأنها الحرب بالإكراه لإفشال الدولة وزعزعة استقرارها ثم فرض واقع جديد .

وتستهدف حروب الجيل الرابع تفتييت مؤسسات الدولة الأساسية والعمل على انهيارها أمنيا واقتصادياً وتفكيك وحدة شعبها من خلال الانهاك والتآكل البطيء للدولة ، وفرض واقع جديد على الأرض لخدمة مصالح الأطراف المستفيدة ، وتحقيق نفس أهداف الحروب التقليدية من الأجيال السابقة ، ولكن بتكلفة بشرية ومادية أقل مما سيترتب عليه تحقيق هدفين استراتيجيين ، هما الدولة الفاشلة ثم الإكراه لتنفيذ إرادة المستفيد ، وذلك تأكيد لمقولة مانوار ينك الشهيرة في محاضرته العلنية إذا فعلت هذا بطريقة جيدة ولمدة كافية وببطء مدروس ، فسيستيقظ عدوك ميتاً .
ومن السمات المميزة لحروب الجيل الرابع ، أنها حروب ليست نمطية كحروب الأجيال السابقة وتعتمد على التقدم التكنولوجي ولا تستخدم فيها الأسلحة التقليدية بل الذهنية ( القوى الذكية ) وهي تعمل على تحويل الدول المستهدفة من حالة الدولة الثابتة المستقرة إلى الدولة الهشة ، وهي تستهدف الدولة بالكامل بما فيها من مدنيين.
وتعتمد هذه الحرب على مجموعات قتالية صغيرة العدد وعلى شبكة صغيرة من الاتصالات والدعم المالي ، وتتلخص أساليب وأدوات حروب الجيل الرابع في الإرهاب والتظاهرات تحت دعاوي السلمية والاعتداء على المنشآت العامة والخاصة .. والتمويل غير المباشر لإنشاء قاعدة إرهابية غير وطنية أو متعددة الجنسيات داخل الدولة بحجج دينية أو عرقية أو مطالب تاريخية.
كما تتلخص اساليب هذه الحرب في التهيئة لحروب نفسية متطورة للغاية من خلال الإعلام والتلاعب النفسي واستخدام محطات فضائية تكذب وتقوم بتزوير الصور والحقائق من خلال تمويل المحطات أو الإعلاميين أو أصحاب المحطات ويستخدم فيها وسائل الإعلام التقليدية والجديدة مثل مواقع التواصل الاجتماعي.
وتعمل هذه الحروب على تطوير الأساليب لاختراق وتجنيد التنظيمات داخل الدولة المستهدفة والعمل باسمها وبغيرها من التنظيمات التي تأخذ الطابع المتطرف باستخدام مرتزقة مدربين لتحقيق مخططات في الدول المستهدفة ، بالإضافة إلى استخدام أساليب حرب العصابات وعمل تفجيرات ممولة بطريق مباشر أو غير مباشر والتمرد للأقليات العرقية والدينية وضرب طبقات المجتمع بعضها ببعض واستخدام كل الضغوط المتاحة والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية مثل التلويح بقطع المساعدات أو التهديدات الحربية والمعارضة والعمليات الاستخباراتية وأخيراً استخدام العملاء في الدول المخترقة وتسليط الأضواء عليهم ومنحهم الجوائز العالمية.
إن حروب الجيل الرابع المثلى هي التي تبدأ ولا يشعر بها أحد وتستخدم القوة الذكية التي تعتمد على التنوع الكبير والاستخدام الذكي للقوة الناعمة الصلبة في تناغم عالٍ ومخطط طويل الأمد حتى تستيقظ الدولة المستهدفة في النهاية وهي ميتة.ولاشك ان دول المنطقة دخلت في حزام حروب الجيل الرابع التي تقوم على القضاء على ميراث سايكس بيكو ومخلفات ما بعد الدولة العثمانية.
ويرى أعداء دول المنطقة أن هذه الدول غير قابلة للاستمرار بأحجامها تلك وببنية مجتمعاتها القائمة ، لذا فان الحل من وجهة نظرهم هو الزج بها في صراع داخلي يقضي على استمرار الدولة ووحدة المجتمع .
وفي هذا الاطار تبنى منفذو هذه الحرب عدد من الاستراتيجيات لتنفيذ ذلك وكلها تدور في إطار قتل المسارات السياسية التي تتحرك فيها الدول المستهدفة بحيث تستمر الفوضى أطول مدى زمني ممكن ، وهذا ليس غريباً
فالغرب كان يبيع الأسلحة للعراق ويسرب نوعياتها وكمياتها وأماكن تخزينها لأيران كي تضربها وبالتالي تستمر الحرب أطول فترة ممكنة في ذلك من استنزاف للطرفين ، وفق نظرية ” بدل من قتلهم نوفر لهم أسباب التدمير المشترك ” إلى أن تنبه الخوميني وأعلن قبوله تناول سم التسوية .
كما يستخدمون استرتيجية إشاعة حالة دائمة من الفوضى المجتمعية عن طريق انهاك المجتمع واستنزاف الدولة في معارك داخلية حول قضايا قد تكون بعضها عادلة ولكنها تقدم في إطار تحدي الدولة وتعميق الخلافات في المجتمع .فهم يرون انه لاداعي لانفاق هذا الكم الهائل من الأموال من اجل استمرار حالة الاقتتال الفكري والسياسي الذي تعيشه بعض تلك الدول .
هل تفعل تلك الدول بالتحالف مع بقايا المحافظين الجدد في الغرب وحلفاء اسرائيل لعبة تطويل الصراع الداخلي وامداد الطرف الأضعف بالأكسجين للاستمرار في الصراع حتى يتم القضاء على قوة الدولة ووحدة المجتمع ؟
الأفضل هو انقسام الداخلي والتحول إلى ميلشيات تشارك في الاحتراب الاهلي كما يحدث في الصومال والسودان وسوريا وليبيا .
وتستهدف هذه الاستراتيجيات بنية الدولة في المنطقة العربية كلها ، بهدف تحويلها إلى دويلات لا تزيد حجمها عن إسرائيل .. والحقيقه ان إعادة رسم خريطة المنطقة على هذا النحو مسألة تتم على قدم وساق وكل طرف يسهم فيها بقدر مايستطيع
اذن ان تلك المخططات تستهدف المجتمع حتى ينقسم على نفسه على نحو يرى بين ابنائه من هم عدوه وهذا ماحدث مابين فتح وحماس وحدث بين السنة والشيعة والمسيحيين في لبنان وبين القبائل في الصومال وليبيا وهكذا هي محاولة لان تتحول تلك الدول الى حالة اقتتال داخلي واضعاف ذاتي وانقسام مجتمعي بحيث لاتستطيع التفكيرفي الدخول في معارك داخليه ضد الجهل والفقر والمرض والظلم او معارك خارجية لضبط موازين القوى في المنطقة
و تستهدف الجيوش العربية حيث يريدون لها أن تلقى نفس مصير الجيوش التي خرجت من معادلة القوة الشاملة العربية لأسباب مختلفة مثل الاحتلال الأجنبي في الحالة العراقية وكان مكلفاً جداً للغرب
والخلاصة ان عناصر الحرب الجديدة تدور في إطار انتشار الإرهاب وإنشاء قاعدة إرهابية غير وطنية أو متعددة الجنسيات وممارسة حرباً نفسية متطورة للغاية من خلال الإعلام والتلاعب النفسي بهدف تضليل الرأي العام وتوجيهه في الاتجاه الذي يرغب فيه المستفيد أو المستفيدون من هذه الحروب .وللحديث بقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى