ثقافة

مقال علي المطوع: بركات دعاء الوالدين

الرياض_سويفت نيوز :

علي المطوع يتداول البعض قصة ظريفة، عميقة في معناها وإن كان في سندها ضعف وربما انقطاع، تقول القصة إن أحدهم دعا مجموعة من أصحابه إلى وليمة في منزله الجديد، كان المنزل بمقاييس الفخامة وأبهى تحفة معمارية خالصة، اندهش المدعوون من جودة الزخارف والأعمدة والقباب والأشكال الهندسية الأخرى ذات الطابع الأندلسي الغريب على صاحب البيت وذوقه وذائقته، وتناسقها العجيب والغريب الذي يأخذك خيالا وواقعا إلى قصر الحمراء وذكره وذكرياته

أخذ صاحب المكان الخلص من رفاقه في جولة على بعض مرافق منزله الجديد وكان سعيدا بردات فعلهم وقد ارتسمت على وجوههم علامات الإعجاب والدهشة وربما شيء من الإحباط مما رأوه من عمل معماري ضخم وجودة تتخطى حدود ما ألفوه وعرفوه كموظفين بمداخيل وظيفية كبيرة!

وفي معرض إجابات صاحب المنزل على أسئلة ضيوفه، حلف بالطلاق وأغلظ الأيمان أن تكلفة بناء هذا القصر وتأثيثه قد تجاوزت الثمانية ملايين ريال، هنا اندهش الجميع ولاح على وجوههم مباشرة السؤال المعهود، من أين لك يا صاحبنا هذا، خاصة وأنهم يعرفون البئر وغطاءها وماءها ونبعها؟ وببراعة شديدة وخفة أسرع قال صاحب القصر: لا تستغربوا أيها الرفاق إنها بركات دعاء الوالدين!

رضا الوالدين وبركة دعائهما كانا وما زالا من أهم الأسباب التي تبرر وتسوق بها تلك الملاءة المالية التى تنزل فجأة على بعض عباد الله، ممن امتهن التربح من وظيفته التي لا يتجاوز دخله منها، مهما ارتفع ثمن منزل صغير قد يستغرق بناؤه بضع سنين

اليوم وفي عهد الحزم والعزم، عهد سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين، أصبحت الحرب على الفساد توجها عاما، وصار سؤال من أين لك هذا مألوفا عند القاصي والداني، وهو ما جعل هذا السؤال وإجاباته، هاجسا يؤرق المفسدين ويجعل فرائصهم ترتعد مع كل بارقة خبر باستعادة مال عام نهبه أحد رفاقهم

إن العدالة الاجتماعية لتقتضي حماية المال العام، هذا المال الذي لا ننكر أن بعض ضعاف النفوس مثل رضي الوالدين هذا، قد استفادوا منه وأفادوا بعض القابعين في قاع دوائرهم الصغرى منه، ممن تم اصطفاؤهم لينالوا شرف الصحبة وخيرها وخيريتها

إن صور الفساد من ضعاف النفوس كثيرة ومتعددة ولا تقتصر على سرقة المال العام مباشرة، فبعض هؤلاء قد يستخدم كثيرا من التسهيلات في إدارته، كشركات الصيانة في إصلاح منزله وترميمه، وقد يصل التجاوز ببعضهم أن يكلف مسؤول النقل في مرفقه بإرسال أحد السائقين الرسميين ليوصل له بعض حاجياته إلى بيته كالدواء أو بعض المستلزمات الأخرى، التي تقتضيها حياته اليومية، ويرى في ذلك شيئا من حقوقه التي تتيحها له الوظيفة العامة!

ومع ذلك تظل نسب هؤلاء في مجتمعاتنا الوظيفية محدودة ويظل المجتمع الوظيفي في سواده الأعظم مثالا للإخلاص والأمانة، وصور النشاز هذه حتما سيقتلعها الحزم أولا ووعي المجتمع ثانيا، وسيصبح رموز هذا الفعل الشنيع في مزبلة تجاربنا الخاطئة التي تتجه مع الزمن إلى حالة من المثالية والصلاح مع تعدد حالات التشهير والقبض على هؤلاء المفسدين

أما رضي الوالدين هذا ومن على شاكلته، فهم إلى مزابل التاريخ أقرب وبالصحف السوداء أجدر وأمثل، وما سرقوه من مال سوف يكون وبالا عليهم، وسيكون للشرفاء الكلمة الفصل في فضحهم وتعريتهم وكشف مستورهم الذي يخفونه عن الناس لكن الله يعلمه، ولنذكر ونتذكر أن كسب الفاسدين حرام، ومآلهم حساب شديد يوم العرض والحساب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى