مقالات

النفايات نعمة أم نقمة

بقلم د مصطفى حسين كامل
أستاذ بعلوم القاهرة وزير البيئه الأسبق

دفن، إهمال،  رمي أو حرق ، تلك كانت نهاية النفايات عبر العصور و الأزمنة الى حين بدأ العالم بتطوير نهجه البيئي و رؤيته الاقتصادية و الصحية عل حد سواء.
أضرار صحية و امراض خطيرة، جراثيم و تلوّث، كلّها كلّفت الحياة البشرية غاليا نتيجة جهل مقبع كاد ينهي مظاهر الحياة و يقضي على الكوكب و يستنفذ كل موارده و طاقاته الطبيعية.
انقلبت المفاهيم و تعدّلت الموازين ليأخذ العالم منحا جديدا في التفكير و التدبير و هو الذي لم يكن يعلم أنّ ما ينتجه خلال نهاره من نفايات هو ذهبا يبحث عنه في عتمة المناجم و ظلمات الأرض.
بدأ الانسان يتخلى عن عادات خاطئة قديمة لتدخل في صلب مفاهيمه مصطلحات جديدة أضحت اليوم شائعة و عامة لتدّل على تبدّل عالمي للرؤية البيئية الاقتصادية الصحية. نفايات عضوية، نفايات غير عضوية،  اعادة تدوير، اعادة استخدام، معامل فرز، مطامر صحية، معالجة، طاقة بديلة، الادارة السليمة للنفايات و غيرها . كل ذلك و اكثر متداول اليوم على ألسنة الشعوب و المؤسسات و الحكومات و المنظمات غير الحكومية التي تسعى يما يتوفر لها من امكانيات الى حماية الكوكب الأزرق.
و تبقى نتائج هذه المساعي متفاوتة بين بلد و أخرو منطقة و أخرى على حسب الانجازات التي تمّ تنفيذها و التي تتعلّق بشكل او باخربعوامل مادية, تقنية, فنية, مؤسسية و تشريعية عديدة، الأمر الذي يجعل نسبة امكانية انفاذ مشاريع بيئية و تطبيق الاتفاقيات الدولية البيئية رهن تضافر كل هذه العناصر.
بقايا طعام، زيوت، بلاستيك، ورق، اطارات، زجاج و معادن، اقمشة، مواد طبية و غيرها تنتج كل يوم جراء دورة الحياة البشرية من المنازل، المعامل، المدارس، المطاعم، المستشفيات و من كل مكان وصلت اليه القدم الانسانية.
بدأت دول العالم المتقدم بما تملكه من امكانيات عالية على كافة الأصعدة بوضع برامج و نظم للاستثمار في المخلفات و تحويلها الى ثروات وطنية تدعم الاقتصاد المحلي و الناتج القومي للدولة. و لم تكتف بذلك، بل وضعت الأسس و النظم الاستيراد النفايات من دول أخرى للاستفادة منها نظرا الى المردود الكبير الذي حققته في مجال استثمار النفايات و في التجارب الصينية و الألمانية خير دليل.
دول عديدة سطّرت قصص نجاح غيّرت مفاهيم و ثقافات و سلوك بشري نحو الأفضل للأنسان و الطبيعة.
في اليابان, بلدة كاميكاتسو, البلدة الاقل انتاجا للنفايات اليوم, أطلقت في العام 2003 مشروع “صفر نفايات” بعد أن كانت البلدة تحرق كل مخلفاتها بكل أنواعها. وفقا للعديد من المواطنين و اصحاب المحال و المؤسسات هناك, لم يكن الأمر سهلا في البداية و كان تغيّرا صعبا و تحديا كبيرا على الجميع بينما هم فخورين اليوم بالنتيجة التي أحرزتها البلدة لتقارب “الصفر نفايات”.
في السويد, بلد ينتج 4.4 مليون طن سنويا من النفايات و لا يطمر منها سوى 1% اليوم. يتحدث المختصون هناك عن امكانية تحويل النفايات الى ذهب و قد نجح البلد في تأمين الكهرباء ل 200000 مواطن اضافة الى 100000 مواطم يستفيدون من مشاريع تدفئة قائمة على النفايات. يوصّف الباحثون السويدييون النفايات بالسلعة التي يمكن بيعها و شراؤها, و الجدير بالذكر أن السويد تستورد النفايات من المملكة المتحدة لتغذية مشاريع انتاج الطاقة فيها.
“ملكة النفايات”, هكذا لقّبت العالمة و المهندسة فينا ساها جوالا, في استراليا التي بفضل شغفها و ايمانها بأن لكل شيء قيمة و لكل شي امكانية ما, استطاعت انشاء معمل و اختراع جهاز لتحويل بقايا الزجاج و الملابس الى مواد بناء. لم تكتف بذلك, بل نجحت في استخدام بقايا مطاط الاطارات عوضا عن فحم الكوك في المنتجات التي تتطلب ذلك النوع من المواد.
وفي تركيا,  يتم إستخدام 1500 طن من النفايات يوميا  في توليد الطاقة من خلال مشروع “صفر نفايات” الذي انضم اليه العديد من رجال الأعمال و الذي يوفّر 400 الف طن من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. تلبّي المنشأة الجديدة الواقعة في ولاية ملاطيا الشرقية في الأناضول احتياجات حوالي 40 ألف أسرة من الكهرباء.

كما تمتلك تركيا اليوم 22 محطة توليد طاقة كهربائية عن طريق غاز الميثان موزّعة على 11 محافظة تركية و من أبرزها محطة شركة الشرق الأوسط لتوليد الكهرباء القريبة من أسطنبول و التي تعرف بأنّها الأكبر من نوعها في أوروبا. تتجمّع النفايات في محيط المحطة على مساحة 55 هكتار في باطن الأرض معزولة عن الأوكسجين لتتحوّل الى غاز الميثان الذي يحرق فيما بعد لتشغيل محركات إنتاج الطاقة التي تبلغ طاقتها الانتاجية  35 ميغا وات لتوفّر بذلك 10% من احتياجات مدينة اسطنبول من الطاقة.

قصص كثيرة حول العالم أثبت نجاحها و عدلّت السلوك البشري و النهج البيئي الاقتصادي و اصبحت دولا متقدمة باشواط و اشواط عن غيرها من الدول الأخرى النامية و في طور التقدم. فماذا تنتظر حكومات و مؤسسات تلك الدول بكل ما تمثّل من أجل وضع و تنفيذ خطط استراتيجية و مشاريع بديلة تأمن لها نقلة فكرية, اقتصادية, سلوكية و بيئية نوعية ؟؟؟ أي دعم و أية مساعدة تحتاج هذه المناطق حتى تنجح في تطبيق المعايير البيئية الدولية ؟؟؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى