مقالات وآراء

ضوء

بقلم – الدكتورة أنيسة فخرو

بمناسبة الشهر الفضيل اعيد نشر مقالاتي لأقدم ملخصا موجزا عن كتاب الكواكبي (طبائع الاستبداد)، لعل وعسى تنفع الذكرى، ولعلنا نجد كعرب ومسلمين الطريق القويم للخلاص من كبواتنا المتوالية. وحتما استفاد من (الكواكبي) وأفكاره الكثير من المفكرين أمثال (جمال حمدان) في كتابه (شخصية مصر)، وغيره من المفكرين، لكن كم نتمنى أن تجد هذه الأفكار طريقها إلى النور، وأن تتحول إلى فعل تطبيقي في الواقع العربي.

يقول (الكواكبي) ببلاغة رائعة: “الاستبداد أعظم بلاء يتعجل الله به للانتقام من عباده الخاملين، الاستبداد وباء دائم بالفتن، وحريق متواصل بالسلب، وسيل جارف للعمران، وخوف يقطع القلوب، وظلام يعمي الأبصار “.

وعن الاستبداد والخوف، يتحدث (الكواكبي) قائلا: “إن خوف المستبد من رعيته أكثر من خوفهم من بأسه؛ لأن خوفه ينشأ من علمه بما يستحق منهم، وخوفهم ناشئ عن جهل “.

“كلما زاد المستبد ظلما، زاد خوفه من رعيته، وحتى من حاشيته، وحتى من هواجسه وخيالاته، وأضّر شيء على الإنسان هو الجهل، وأضّر آثار الجهل هو الخوف، والناس هم الأسرى الذين يقدمون قرابين الخوف، والإنسان يقرب من الكمال في نسبة ابتعاده عن الخوف، ولا وسيلة لتخفيف الخوف أو نفيه غير العلم بحقيقة المخيف منه، فإذا زاد علم الرعية بأنَّ المستبد امرؤ عاجز، زال خوفهم منه وتقاضوا منه حقوقهم “.

“يسترهب الملوك الرعية بعلائم الأبهة وفخامة القصور وعظمة الحفلات ومراسم التشريفات، عوضا عن العقل والمفاداة، كما يلجأ قليل العز للتكبر، وقليل الصدق لليمين، وقليل المال لزينة اللباس “.

“أخوف ما يخافه المستبد أن يعرف الناس حقيقة أنَّ الحرية أفضل من الحياة، وأن يعرفوا النفس وعزها، والشرف وعظمته، والحقوق وكيف تُحفظ، والظلم وكيف يُرفع، والإنسانية وما هي وظائفها، والرحمة وما هي لذاتها “.

“كلمة (لا إله إلا الله) تعني أنَّه لا يعبد سوى الصانع الأعظم، ولا يستحق الخضوع شيء إلا الله “.

وعن البطانة يقول (الكواكبي): “التمجد هواية الإدارة المستبدة، وهم القربى من المستبد كالأعوان والعمال والملقبين بالألقاب والنياشين “.

“الحكومة المستبدة تكون مستبدة في كل فروعها من المستبد الأعظم إلى الشرطي إلى الفرّاش، ولا يكون كل صنف إلا من أسفل أهل طبقته أخلاقا؛ لأن الأسافل لا يهمهم الكرامة، إنما غاية مسعاهم أن يبرهنوا لمخدومهم أنهم على شاكلته، وأنصار لدولته، وشرهون لأكل السقطات؛ وبهذا يأمنهم المستبد ويأمنونه؛ فيشاركهم ويشاركونه، وهذه الفئة المستخدمة يكثر عددها ويقل، حسب شدة الاستبداد؛ فكلما كان المستبد حريصا على العسف احتاج إلى زيادة المتمجدين له، واحتاج إلى الدقة في اختيارهم من أسفل المجرمين الذين لا أثر عندهم لدين أو ذمة “.

“المستبد يحتاج لعصابة تعينه وتحميه، زمرة لصوص، ولا يثق المستبد إلا فيمن هو أظلم منه للناس، وزير مستبد لا وزير الأمة، وقائد يحمل سيفه ليغمده في الرقاب بأمر المستبد لا بأمر الأمة. والعوام هم قوة المستبد وقوته أي طعامه، يأسرهم فيتهللون، يغصب أموالهم فيحمدون على إبقائه حياتهم، يهينهم فيثنون على رفعته “.

“المستبد مخادع يظهر عكس ما يبطن، يستصنع الأسافل الأرذال من الناس، ويميل إلى المتملقين المنافقين من أهل الدين، وليس فيهم العفيف، وكفى بما يتمتعون من الثروات الطائلة التي لا منبت لها غير المستبيح الفاخر بمشاركة المستبد في امتصاصه دم الأمة بأخذهم الرواتب الباهظة والعطايا الكبيرة دون وجه حق “.

وعن الاستبداد والمال يقول (الكواكبي): “لو كان الاستبداد رجلا وأراد أن يحتسب وينتسب لقال: أنا الشر، وأبي الظلم، وأمي الإساءة، وأخي الغدر، وأختي المسكنة، وعمي الضر، وخالي الذل، وابني الفقر، وابنتي البطالة، وعشيرتي الجهالة، ووطني الخراب، أما ديني وشرفي فالمال المال المال “.

وعن الاستبداد والعلم يقول (الكواكبي): “ترتعد فرائص المستبد من علوم الحياة والفلسفة والاجتماع والسياسة، وهو يخاف من العاملين الراشدين المرشدين لا من العلماء المنافقين، والمستبد يكره العلماء؛ لأنه يستحقر نفسه إذا وقعت عيناه على من هو أرقى منه، فإن اضطر لطبيب أو لمهندس مثلا، فهو يختار المتصاغر المتملق. المستبد يكره العلم والعلماء؛ لأن العلم يسعى إلى تنوير العقول، ويجتهد المستبد في إطفاء نورها “.

رحمك الله يا (كواكبي) ، استطاعت يد الغدر أن تطالك وأنت في قمة نبوغك، وفي عزّ عطائك الروحي والفكري، لكن على الرغم من ذلك سيبقى ذكرك خالدا إلى الأبد…

الدكتورة أنيسة فخرو
سفيرة السلام والنوايا الحسنة
المنظمة الأوروبية للسلام والتنميةالكواكبي والاستبداد (3 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى