عام

تطوير قطاع الحج.. نحو حوكمة شاملة لمنظومة الحج

الرياض-سويفت نيوز:

قبل أكثر من عام – واستجابة للدعوة من القائمين على الملتقى العلمي العشرين لأبحاث الحج والعمرة والزيارة – قام مكتبنا الاستشاري بإعداد ورقة بحثية بعنوان (الأشكال المختلفة للحوكمة): ما هو الأمثل منها لقطاع الحج والعمرة؟ مقدمة إلى مفهوم حوكمة منظومة المنظومات. ولكن بسبب ظروف جائحة الكورونا فقد تعذر تقديم البحث في الملتقى، ولكنه منشور في سجل الأوراق العلمية للملتقى. ونظرا لأهمية البحث في تطوير منظومة الحج في الفترة المقبلة، فقد رأيت من المناسب نشر بعض ما ورد فيه من طروحات.

الحوكمة وأهميتها:

لقد أصبح تنفيذ السياسات معقدا بسبب حقيقة أن العديد من السياسات الحكومية والبرامج الحكومية الهامة تتطلب جهودا مشتركة للجهات الفاعلة في منظمتين أو أكثر في كثير من الأحيان، وبمشاركة القطاعات الخاصة (الربحية) وغير الربحية والتطوعية. وغالبا ما يستخدم التعبير (الحوكمة) Governance للإشارة إلى هذه الأنماط الموسعة للعمل الجماعي.

وتعرف منظمة التعاون والتنمية (OECD) الحوكمة كما يلي: «تتضمن حوكمة المنشآت مجموعة من العلاقات بين إدارة المنشأة ومجلس إدارتها ومساهميها وأصحاب المصلحة الآخرين. وتوفر حوكمة المنشآت أيضا الهيكل الذي يتم من خلاله تحديد أهداف المنشأة، وتحديد وسائل تحقيق تلك الأهداف ومراقبة الأداء. ويجب أن توفر الحوكمة الرشيدة للمنشآت حوافز مناسبة لمجلس الإدارة وللإدارة لتحقيق الأهداف التي تخدم مصلحة المنشأة ومساهميها، وينبغي أن تسهل المراقبة الفعالة». وهذا التعريف -وإن كان قد وضع لحوكمة المنشآت في القطاع الخاص- فإنه ينطبق بشكل عام على حوكمة القطاعات الأخرى.

أهمية الحوكمة في قطاع الحج:

يتكون قطاع الحج من عدة منظومات فرعية تتضافر فيما بينها لتقديم الخدمة المثلى لضيوف بيت الله من الحجاج. ويشمل ذلك: تنظيمات مؤسسات الطوافة وشركات خدمة حجاج الداخل، منظومة نقل الحجاج بالمركبات، منظومة إسكان الحجاج، منظومة التغذية، منظومة إدارة الحشود، منظومة الخدمات الصحية والبيئية، منظومة المياه والكهرباء والاتصالات، وغيرها من المنظومات الفرعية الأخرى.

ويشارك في تنظيم وإدارة قطاع الحج والتخطيط له والإشراف عليه عدد كبير من الجهات والهيئات الحكومية وشبه الحكومية. وتقع على القطاع الخاص مسؤولية تقديم الخدمات المباشرة للحجاج والمعتمرين. كذلك يشارك القطاع الثالث (التطوعي) – مثل الكشافة والجمعيات الخيرية – في خدمة الحجاج.

ونظرا لتعدد اللاعبين الرئيسين في قطاع الحج فإنه من الطبيعي أن تظهر بعض المشكلات، مثل: ضعف التنسيق بين اللاعبين، وتداخل المهام، وضياع المسؤوليات.

ومن هنا تبرز أهمية تطبيق الحوكمة لتحقيق التنسيق الفعال بين اللاعبين وضمان تناغم أداء المنظومات الفرعية التي يتكون منها القطاع وتقليص المشكلات التي يعاني منها في الوقت الحاضر.

وهنا لا بد من الإشارة إلى وجود جهود سابقة لتطبيق الحوكمة لدى مختلف الجهات العاملة في قطاع الحج. مثال ذلك: حوكمة نقل الحجاج، حوكمة إدارة الحشود، حوكمة بعض مؤسسات الطوافة، وغيرها.

ولكن من أجل تحقيق غايات الحوكمة في منظومة الحج فلا بد من النظر إليها إلى أنها تتكون من مجموعة كبيرة من المنظومات الفرعية التي ينبغي تحقيق التنسيق والتكامل في أهدافها وسلوكها.

أطر ونماذج الحوكمة:

تظهر مراجعة الأدبيات المنشورة حول الحوكمة أنه توجد أطر ونماذج متعددة لها (أكثر من 15 إطارا ونموذجا وقد تم استعراض بعض منها في البحث المنشور). وإن اختيار الأنسب منها لأي منشأة يعتمد على طبيعة المنشأة من حيث كونها حكومية أم خاصة، ربحية أم غير ربحية، كبيرة أم صغيرة، فردية أم متعددة.

من هذا المنطلق، وعند تطبيق الحوكمة لدى أي جهة عاملة أو مشاركة في منظومة الحج، فإنه ينبغي اختيار الإطار والنموذج المناسب لحوكمة هذه الجهة بحسب طبيعتها وخصائصها.

ويتميز قطاع الحج بشكل خاص بوجود الكثير من المهام والأعمال التي يتم تنفيذها من قبل لجان وفرق عمل موسمية تعمل فقط في موسم الحج. وبذلك فهي تعتبر كيانات مؤقتة تقوم بتنفيذ أعمال خلال فترات زمنية محدد بداياتها ونهاياتها، وباستخدام موارد محدودة.

وهذا الوصف يذكرنا بوصف المشروع project. وغالبا ما يشتمل فريق المشروع على أشخاص لا يعملون معا، وأحيانا من منظمات مختلفة وعبر مناطق جغرافية متعددة. من هذا المنطلق قد يكون من الأنسب تبني بعض أنماط حوكمة المشروع في حوكمة اللجان العاملة في الحج.

يجدر بالذكر أن المنظمة الدولية للتوحيد القياسي (ISO) تعمل حاليا على إصدار معيار جديد يحمل الرقم (ISO 37000) بعنوان: (إرشادات لحوكمة المنظمات). ويتوقع اعتماد هذا المعيار بحلول نهاية عام 2021. وقد يكون من المناسب الاسترشاد بهذا المعيار في أي مشروع حوكمة مستقبلي.

منظومة المنظومات:

ظهر مفهوم منظومة المنظومات System of Systems (SoS) في السبعينات من القرن الماضي، ثم بدأ يلقى الاهتمام من الباحثين في العقد الأخير من القرن الماضي. وتوجد تعريفات متعددة لمنظومة المنظومات. وأحد هذه التعريفات المناسبة: (هو تكامل المنظومات الداخلية و/أو الخارجية لتحقيق هدف و/أو سلوك لا يمكن تحقيقه بواسطة أي من المنظومات الفردية التي تعمل بشكل مستقل، ويشمل ذلك التكامل التشغيلي والإداري والجغرافي).

والمنطلق الأساس لحوكمة منظومة المنظومات هي تبني وجهة نظر المنظومة وفكر المنظومة system thinking، وكذلك تبني مبادئ المنظومات systems principles. وينبغي الأخذ في الاعتبار المبادئ التالية:

الشمولية، وأن ينتج الأداء من تفاعل العناصر، وليس من العناصر الفردية. ولتحسين تصميم حوكمة المنظومة تبرز الحاجة إلى فهم الأبعاد الاجتماعية والسياسية والثقافية والتقنية للمنظومة.

غرض المنظومة: وخاصة بالنسبة للمنظومات الفرعية فإنه عليها أن تنتج فقط ما يمكنها أن تنتج. ومن الضروري هنا تجنب الاستخدام غير الفعال للموارد.

اعتبار المنظومة منظومة معقدة complex system، وتحليلها من خلال النظر إليها من زوايا مختلفة بهدف زيادة المعرفة بتعقيدها، وجعل فهمها أكثر اكتمالا. ويساعد ذلك على اتخاذ القرارات الدقيقة، واتخاذ الإجراءات وتحقيق الطريقة المناسبة للتطبيق في مهمة معينة.

الأخذ في الاعتبار السلوكيات/الأنماط غير المتوقعة الناتجة عن التكامل والتفاعل الديناميكي بين المنظومات المكونة وأجزائها والبيئة المحيطة بها. فالتصميم المرن للحوكمة يمكنها من التعامل مع أي تغييرات في المنظومة.

نحو حوكمة شاملة لقطاع الحج:

يعطي شكل (1) تصورا لمنظومة الحج من منطلق مفهوم منظومة المنظومات مع ملاحظة أن هذا التصور يأخذ في الاعتبار التنظيم الجديد بتحويل مؤسسات الطوافة إلى شركات مساهمة. ولا يقصد بالشكل أن يكون شاملا لجميع المنظومات التي تندرج ضمن منظومة الحج وإنما يعطي أمثلة لها، وقد رمز لذلك بالخطوط المتقطعة في الشكل.

(شكل 1): مخطط جزئي لمنظومة الحج كمنظومة من المنظومات.

ويلاحظ في الشكل أنه جرى تفصيل منظومة شركة الطوافة وتبيان بعض المنظومات الفرعية التي تندرج تحتها، مثل: منظومة المساهمين، منظومة شركات الخدمة، منظومة شركة إسناد للحج والعمرة، ومنظومة تقنية المعلومات. ثم جرى في الشكل تفصيل منظومة شركة الخدمة بشكل جزئي إلى مجموعة من العمليات والإجراءات المتعلقة بالحجاج، مثل: الاستقبال، التوزيع على المساكن، الخدمة في مكة المكرمة، التصعيد والتروية، وغيرها.

وحوكمة كل جهة من الجهات العاملة في الحج على حدة قد لا يحقق الغرض المطلوب من الحوكمة ما لم يكن هذا المشروع الفردي ضمن إطار مشروع حوكمة شمولي يستهدف حوكمة كافة القطاع. فعلى سبيل المثال، بينت التجربة أن هناك تقاطعا كبيرا بين منظومة نقل الحجاج بالحافلات وبين منظومة إدارة الحشود، وأيضا بين منظومة تغذية الحجاج وبين منظومة المرور في الحج، وغيرها من التقاطعات والتداخلات بين مختلف المنظومات.

ويصعب الوصول إلى وضع مثالي لحوكمة قطاع الحج إلا من خلال النظرة الشمولية التي يوفرها مفهوم منظومة المنظومات. وبطبيعة الحال فإن كل جهة مشاركة في الحج قد تحتاج إلى مجلس حوكمة خاص بها، ولكن يتوقع أن تبرز الحاجة إلى نظام حوكمة فوقي meta governance يكون مسؤولا عن الحوكمة الشمولية للقطاع.

ونعطي فيما أهم ملامح هذا المشروع الشامل المقترح لحوكمة قطاع الحج:

أ . تطبيق منهجيات وأساليب تحليل النظم في تحليل أعمال كل منظومة فرعية ونمذجتها. وتشمل هذه المرحلة تحليل التداخلات والتقاطعات بين مهام وأعمال الجهات المختلفة.

ب . اعتبار كل جهة تعمل في الحج (حكومية أو خاصة أو غير ربحية) أنها منظومة مستقلة قد تتطلب نظام حوكمة خاص بها يكون مناسبا لطبيعة عملها.

ت . تطبيق المعايير الدولية لجودة الأداء في مختلف المنظومات الفرعية بحسب ما يناسبها. والاستفادة من نظام الأيزو (ISO 37000) في تطوير نظم الحوكمة لهذه المنظومات.

ث . بناء نظام الحوكمة الشامل لقطاع الحج والذي يكون مبنيا وفق مفاهيم حوكمة منظومة المنظومات. وتشمل هذه المرحلة إنشاء نظام الحوكمة الفوقي meta governance للقطاع.

ج . وضع مواصفات تطوير منصة الكترونية لحوكمة الحج كأساس للحوكمة الالكترونية e-governance .

ح . تضمن المشروع برامج تدريب مكثفة على إجراءات العمل في المنظومة الجديدة للحوكمة.

خ. يتوقع أن يتطلب تنفيذ هذا المشروع فترة زمنية تمتد إلى ما بين 3-5 سنوات، ويشمل ذلك تطبيق نظام الحوكمة الجديد بصورة تجريبية، وقياس أدائه وفاعليته للوصول إلى الصورة النهائية المثلى له.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى