نيوميديا

التدريب حتى آخر رمق

 

بقلم – المستشار محمد دويدار:

بينما نحن منهمكين في وضع اللمسات الاخيرة على الطبعة الاولى بين بروفات صفحات واكوام من ورق الدشت واقلام بعدها نفد حبرها والآخر يلفظ أنفاسه في كتابة عناوين اللحظة الاخيرة اذ بشاب أنيق يتجول بين مكاتبنا تسبق ابتسامته يده الممدودة بكتاب اراد ان يهديه ل ” أهل الكار ” .. صافحته على عجل ثم نحيت الكتاب جانبا وعدت الى ما كنت فيه فقد جاء في غير وقته وأظن ان الكاتب الشاب قد فطن الى ذلك فلم تبدد ابتسامته وهو يرى كتابه لم يجد من يتصفح فهرسه او يحدق في غلافه ربما لأنه من “اهل الكار ” او على الاقل يتفهم لهاثنا للتعديل الأخير قبل الدفع بالصفحات الى قلب المطبعة .
كان هذا الشاب الأنيق هو الدكتور سعود كاتب العائد لتوه من الجامعة الأمريكية في واشنطن والذي تقلد فيما بعد عدة مناصب قيادية في وزارة الاعلام قبل ان يغادرها الى وزارة الخارجية سفيرا ثم وكيلا للوزارة لشؤون الدبلوماسية العامة .. حدث ذلك في أحد ايام عام 1996 م .. اما الكتاب فهو ” انترنت .. المرجع الكامل ” وهو أول مرجع عن الانترنت باللغة العربية
انتهينا من الطبعة الأولى وانتظرت حتى صدورالعدد قبل ان ألملم اوراقي وصحفي ومعها الكتاب عائدا الى بيتي . وكعادتي قبل ان أخلد الى النوم بدأت اتجول بين الصحف والأوراق واطالع نشرات الأخبار في الفضائيات لألمح الكتاب الذي لم اجد ما يمنع من تصفحه على عجل وقراءة سريعة لأهم عناوينه وليتني لم أفعل لأنني امضيت ليلي في التهام اوراقه ليس فقط استمتاعا بلغته وما حواه وإنما لرعب اعتراني خوفا على مهنتي ومستقبلي .. والحقيقة ان الكتاب كان بمثابة توقيع مبكر على شهادة وفاة الصحافة الورقية كما كان يحمل تحذيرا شديد اللهجة ل ” أهل الكار ” من ضرورة تحوير مسارهم والا سوف ينقرضون مثلما اندثرت عدة وظائف في المهنة مثل الصفيف والمنفذ والمخرج وعشاق رائحة الحبر ودراويش ماكينات وجدران المطابع . ولم يكن هناك من سبيل للفرار من هذا المصير سوى التدريب والتدريب وحده الى ان وصلنا الى الصحافة الإلكترونية وصحافة الموبايل وصناعة المحتوى وكل اشكال الاعلام الجديد .
ويبقى السؤال :
الى اين تذهب بنا التقنية ؟ ومتى ننتهي من الالحاق بالدورات التدريبية التي اصبحت ربع سنوية وربما أقل ؟ .. والسؤال الأهم متى اكتفي لصحفي او طبيب أو محاسب أو مهندس أو مصمم ازياء او ديكور او رقصات من التدريب وأقول لقد وصلت للذروة وآن لى ان استريح من حمل بطاقة ” متدرب ” على صدري ؟ . والحقيقة انه اذا عن لي هذا الخاطر فلابد من اليقين انني لازلت بحاجة ماسة الى المزيد من الدورات . ولاشك ان الإجابة على السؤال الأهم هى قولا واحدا : ان هذا لن يحدث حتى آخر العمر حتى لو اصبحت انا ” مدربا ” .. والحيثيات كثيرة وقد يكون اولها تلك المتعة الكبيرة التي اتذوقها وانا اعرف معلومة جديدة او اكتسب مهارة مغايرة .
التدريب – ايا كان شكله حضوريا أو عن بعد – عملية مستدامة حتى آخر رمق فهو أحد أساليب التحفيز والترقية والجدارة بالاضافة الى انه ضروري لإدارة الآلات والمعدات المستخدمة بكفاءة وتقليل كلفة الصيانة كما أنه مهم لتحقيق الذات وتنمية المسار الوظيفي والتكيف مع المتغيرات التقنية واختصار الوقت اللازم لأداءالعمل بفاعلية واحداث تغييرات إيجابية لدى الكوادر البشرية واكسابها المعرفة الجديدة وتنمية قدراتها وصقل مهاراتها والتأثير في اتجاهاتها وتعديل افكارها وتطوير عاداتها واساليبها .
ولنا لقاء آخر في مقال قادم عن التدريب وإدارة المعلومات في معهد الصحافة الامريكي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى