مقالات

ويَسألونك..

الدكتورة أنيسة فخرو
سفيرة السلام والنوايا الحسنة
المنظمة الإوربية للسلام والتنمية
نشر المقال في ٢٠٠٩

ويسألونك عن شُحّ المطر وانعدامه، قلّ هو البحر الذي ردمتموه و دمرتموه..
كان الإنسان ولا يزال يلجأ إلى صلاة الاستسقاء طلبا لنزول المطر وتقربا من الله بالدعاء لطلب الرحمة والمغفرة، يبتهل ويتلو الآيات الكريمات ليستجيب الله، فيرسل السحاب وينزل الغيث رحمة منه، ليغسل الأرض ويطهر القلوب.
أما الآن فهل لو صلّوا الليل والنهار صلاة الاستسقاء سيسقط المطر؟ وبالطبع كل شيء يجري بأمر الله فإن قال له كن فيكون، لكن يبدو أن الله غاضب على الأفعال الشنيعة التي تقترفها يد الإنسان الجشع الطامع بحق البحر وكائناته البديعة.
ويسألونك عن شدة الحر اللافح، قلّ هو البحر الذي غمروه بالإسمنت الوحشي من شدة طمعهم وجشعهم.
فلقد عاش آباءنا وأجدادنا على هذه الأرض بلا مكيفات وبلا مبان إسمنتية، وكانوا ما إن يبدأ شهر يونيو ويتسلل الحر إلى بيوتهم حتى يعدّوا العدّة ويشدّوا الِرحال إلى المصايف المتناثرة في كافة أطراف أوال، كعراد واليابور وقلالي، وكل القرى كانت مصايف بالنسبة لقاطني مدينتي المنامة والمحرق ليغمسوا أجسادهم في البحر الرحيم، ويرطبوا أفئدتهم ويزيلوا اللهيب من قلوبهم، فيحلّ الحبور والهناء. ومن لم يستطع الذهاب إلى مصيف بعيد كان ساحل البحر قريبا جدا من البيوت حتى يكاد يطرق الأبواب وينادي على الناس هلموا أغمروا أجسادكم فيني وتباركوا بي، وإذا ما طلّ شهر سبتمبر يشدّوا الرحال ثانية ليهمّوا عائدين إلى بيوتهم في المدينة.
ويسألونك عن جريمة نفوق الأسماك والكائنات البحرية الجميلة، قلّ هو البحر الذي قتلتموه، ولا يحتاج الأمر إلى لجان تحقيق ولا لأي دليل أو برهان، وليست هي المرة الأولى التي نرى سواحل البحرين المتبقية تلفظ أجمل الكائنات البحرية من أسماك وسلاحف بالمئات والآلاف.
ويسألونك عن موجات الغبار اللافح التي تغطى الأرض والسماء كما لم يغطها من قبل، قلّ هو البحر الذي دمرتموه، غبار محمل بالموت والسموم، ولا يمكن أن ينجلي هذا الغبار إلا بالمطر، فإذا مات البحر صار المطر حلما، وإن نزل المطر تنزل حبيباته الشحيحة مُحمّلة بالغبار المسموم.
ويسألونك عن زيادة التلوث البيئي في الماء والهواء، في الأرض والسماء، حتى نكاد نرى النجوم على عدد أصابع اليد الواحدة فقط، قلّ هو البحر الذي خنقتموه ومنعتم التنفس عنه.
ويسألونك عن تفاقم الأمراض واستفحال السرطانية منها وزيادة الأمراض الغريبة فيها، قلّ هو البحر الذي جعلتم الأمراض تدّب في أوصاله، وحرمتموه من الحياة.
ويسألونك ثم يسألونك ثم يسألونك، فلا تقلّ لهم سوى البحر، الذي صار حلما بالنسبة لمواطني وقاطني بلد مكون من ثلاثة وثلاثون جزيرة كما يقال!
لذلك نقول: أوقفوا قتل البحر.. لا نريد مزيدا من الموت الوحشي للبحر وكائناته الجميلة، لا نريد مزيدا من المنتجعات السياحية ولا الفنادق والأبراج الإسمنتية التي تنخر الأجراف المائية وتهدم الأحياد المرجانية في عمق البحر، لا نريد مزيدا من الجزر الاصطناعية التي يملكها الأثرياء ويقطنها الغرباء.
هذه صرخة في وجه الجشع البشري المتوحش الشرير، فهل تسمعون؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى