مقالات

السياسة الخارجية وحقائق القوة السعودية (2)

بقلم – د.إبراهيم بن عبدالله المطرف:

ختم الكاتب مقالته السابقة بالقول إنه لم يقتصر اهتمام المملكة بمصالح الشعوب، وتثبيت دعائم الاستقرار الدولي، وترسيخ السلام والأمن الدوليين، على محور واحد من محاور السياسة والدبلوماسية السعودية، بل امتدّ هذا الاهتمام ليشمل كافة المجالات التي تمكّنُ المملكة من التأثير في تغيير حياة شعوب العالم إلى الأفضل.

في هذا الإطار، لا بد أن نشيرَ إلى أن الملك سلمان بن عبدالعزيز، كان حريصًا دائمًا، حتى قبل أن يتولّى مسؤولية قيادة المملكة، على أن يُشرفَ بنفسه على الكثير من الهيئات والروابط الإغاثية، كما تولّى بنفسه مسؤولية الكثير من الجمعيات والمنظمات التي شكّلَتها المملكة، لتقديم المساعدات، مادّية وعينية، لشعوب العالم الثالث، ودعم عمليات التنمية في الكثير من دول العالم.

وقد تَعدّدَت مظاهر هذا «الأداء»، وتباينت، لتشملَ كافة قارات العالم ومختلف أقاليمه. ومن أبرز وجوه ذلك، تأكيد حكومة المملكة في كلماتها أمام الجمعية الدائمة للأمم المتحدة، أنها تولي اهتماماً كبيراً بالجهود الرامية إلى تحقيق أهداف الألفية الإنمائية، مناشدة الدول الأعضاء بالالتزام بما تعهدت به، والمساهمة بالحصة التي قررتها الأمم المتحدة.

إلى ذلك، أسهمت المملكة، فعلياً، في الحد من آثار الكوارث الطبيعية، وفي مكافحة الفقر والأمراض، من خلال تبرعها لصناديق الأمم المتحدة المتعددة، ومنها برامج الغذاء العالمي، بالإضافة إلى الدور الذي قام به الصندوق السعودي للتنمية، حيث حَرَصَ على تقديم مساعدات خلال العقود الثلاثة الماضية بنحو (100) مليار دولار، استفاد منها أكثر من (90) دولة نامية.

ونشير هنا إلى أن الأمم المتحدة قد احتفلت، في الحادي عشر من يناير 2013، بمرور خمسة عقود على شراكة المملكة مع برنامج الغذاء العالمي، وتبرعها بمبلغ (500) مليون دولار، لبرنامجه لمواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، مما أسهم في مساعدة (62) دولة نامية في مختلف أنحاء المعمورة.

وقد فازت المملكة ممثلة في اللجنة الوطنية لآلية التنمية النظيفة في المسابقة العالمية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي بنيلها جائزة أفضل هيئة قدمت برنامجاً لنشر ثقافة آلية التنمية النظيفة، التي تهدف إلى عرض أفضل حالات التواصل للتعريف بمشاريعها، ودورها في الترويج لهذه المشاريع للحد من انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري والتخفيف من آثار التغير المناخي.

ومع كل هذه الجهود، لم «تنسَ» المملكة أولويات دورها ورسالتها، وحرصها على «إصلاح» البيئة الدولية للعمل الدبلوماسي والسياسي، واهتمامها بتغيير هذه البيئة وتطويرها، لتكون أكثرَ عطاءً ونجاحاً في إنصاف الشعوب ودعم قضايا الحق في كل مكان من أنحاء العالم. ويتجلّى اهتمام المملكة، بـ»إصلاح» الأمم المتحدة، وتطويرها، مفهوماً، ومنظمة، بتعبير حكومة المملكة، وتأكيدها أكثر من مرّة على ضرورة تحديث وتطوير الأجهزة التابعة للمنظمة. وقد صدرَ عن المملكة أكثر من «إشارة» واضحة إلى الجهود التي تهدف إلى تحديث المنظمة وتطوير أجهزتها، على النحو الذي يمكنها من القيام بدورها المطلوب، وبالمستوى الذي يجعلها تواكب المستجدات التي «تجتاح» العلاقات الدولية.

واعتَبَرَت المملكة دائماً، أن أداءَها لدورها ورسالتها على الصعيد العالمي، استجابة لضرورات «الموقع»، وتلبية لتحديات «التاريخ» و»الجغرافيا»، يتطلّبُ تهيئة البيئة الدولية، وتحسين ظروف العمل الدبلوماسي، بإصلاح الأجهزة والمنظمات المسؤولة عن هذه البيئة، وإعادة ترتيب أوضاعها، على النحو الذي يمكنُ الأطرافَ الدولية الفاعلة، من أداء دورها ورسالتها.

من هنا، أكدت المملكة دعمها لجهود الأمم المتحدة، منطلقةً من إدراكها أهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به منظمة الأمم المتحدة في التعامل مع الأزمات، والسعي لتجنيب العالم الحروب، وتهيئة سبل التعاون الدولي، الأمر الذي يجعل المملكة أكثر إصرارًا على دعم هذه المنظمة، من أجل أن تواصل مسيرتها الخيرة وفقا لمبادئها وأهدافها السامية.

وفيما يتعلق بإصلاح الأمم المتحدة، فقد أكدت المملكة أهمية تحديث الأمم المتحدة والأجهزة التابعة لها، وتطويرها للقيام بدورها المطلوب، ورأت أن الإصلاح الحقيقي يتطلب إعطاء الجمعية العامة دوراً أساسياً في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، ولذلك فإن المملكة كانت ولا تزال تؤمن بأن أي تطوير لهيكلة مجلس الأمن، يجب أن تكون غايته تعزيز قدرات المجلس، ليقوم بدوره على نحو فعال، وفق ما نص عليه الميثاق.

ومن هذا المنطلق، فإن المملكة ترى ضرورة البعد عن ازدواجية المعايير، في سياق السعي لتحقيق أهداف ومقاصد الميثاق، كما تؤكد على أهمية اقتران ذلك بتوافر الجدية والمصداقية، عبر احترام مبادئ الشرعية الدولية، وأحكام القانون الدولي، ومقتضيات العدالة الدولية.

وفي قضية الصراع العربي الإسرائيلي، أكدت المملكة أن هذا الصراع يهيمن ويطغى على كل قضايا الشرق الأوسط، فلا يوجد صراع إقليمي أكثر تأثيراً منه على السلام العالمي.

وقد كان للموقف السعودي تأثيره المهم، في محيطها العربي والإقليمي، إذ عبرت الدول العربية – عبر مبادرة السلام العربية التي أطلقتها المملكة العربية السعودية وتبنتها القمم العربية المتتالية – عن التزامها بتحقيق السلام العادل والشامل الذي يقوم على قواعد القانون الدولي.

وحول الأحداث والتغييرات التي شهدتها المنطقة العربية، أكدت المملكة أن تلك الأحداث تطلبت موقفاً مسؤولاً، يهدف إلى الحفاظ على استقرار دول المنطقة، ووحدة أراضيها، وسلامتها الإقليمية، والسلم المدني، في إطار المطالب المشروعة لشعوب المنطقة.

وقد دعت المملكة إلى تغليب صوت العقل والحكمة، في معالجة الأزمات، كما دعت إلى تجنب العنف واللجوء إلى «الإصلاحات الجادة» التي تكفل حقوق وكرامة الإنسان، مع ضرورة الحرص على الأمن والاستقرار والحفاظ على وحدة الأوطان واستقلالها.

كما طالبت المملكة مجلس الأمن -أكثر من مرّة- بممارسة دوره القانوني، وتحمل مسؤولياته الأخلاقية.

وللحديث عن مجلس الأمن بقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى