مقالات

الشك وسوء الظن في الحياة الزوجية

بقلم / سلمان بن محمد العُمري

من المقولات المشهورة والحكم المأثورة قولهم: (أعان الله أصحاب الظنون السيئة فهنالك مسافة طويلة جداً بينهم وبين الراحة)، ومن القصص القديمة التي لا تزال عالقة في الذاكرة منذ الصغر قصة ‏الرجل الذي ترك كلباً ليحرس ابنه الرضيع وذهب للصيد، وعندما عاد، وجد الكلب ينبح أمام البيت وقد تلطخت أنيابه بالدماء فرفع البندقية عليه وأزهق روحه ودخل مسرعاً، وإذا به يرى ذئباً غريقاً بدمائه والطفل لم يمسه أذى، وحينما رأى الحقيقة ندم على سوء ظنه ولكن بعد وقع الفأس في الرأس.

إن سوء الظن مدخل من مداخل الشيطان وقد يباعد بين القريب والأقرب، فكم قلبت به المودة إلى عداوة ،وكم قطعت بسببه الأرحام، وبسبب سوء الظن كرهنا بعضنا، وقلَّ لقاؤنا، وقطعنا رحمنا، وظلمنا من حولنا، وأهم ما يركض عليه الشيطان بخيله ورجله إساءة الظن بين الزوجين ليفرق بينهما ويهدم بيت الزوجية وتشتت الأسرة وتتقوض كيانات المجتمع، فابتعدوا عـن سوء الظن فهو يؤذي، وعن الشك الدائم فهو يهدم.

‏عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث…)؛ متفق عليه.

وأمام كثرة المشكلات والخلافات الزوجية نجد أن لها حلولاً إلا مشكلة الشك وسوء الظن فإنه تدمير البريء، وشقاء للشاك.

والخطورة تكمن حينما يبدأ «الشك المرضي» من أحد الزوجين، ويتطور وينمو ويصبح محورياً في علاقة الرجل بالمرأة، أو العكس، وتبدأ التأويلات والتحليلات لكل حدث وحديث أو موقف معين.

في الدراسة التي قمت بها عن: «ظاهرة الطلاق في المجتمع السعودي.. دراسة تشخيصية»، وجدت أنه من الأسباب الرئيسية لحدوث حالات الطلاق، وتفاقم المشكلات وتزايدها، ووجدت أن هذا العامل برز في صورة واضحة في جميع الدراسات، وأضحى الشك، وسوء الظن من عوامل التفكك الأسري والطلاق، وقد أظهرت نتائج دراستنا أن 18,75%من المطلقين بأن هذا العامل كان أحد أسباب طلاقهم، بينما ارتفعت النسبة في حالة المطلقات إلى 24,21%، ومع ثورة وسائل التواصل الاجتماعي ربما تزود حالات الشك وسوء الظن.

وفي دراسة وداد لوثاه أيد هذا العامل باعتباره من أسباب الطلاق 52% من العينة، والشك المرضي نوع من اضطرابات السلوك وهو يندرج تحت ما يسمى بالبرانويا، فأي ضرر هذا الذي سيغشى ويلازم صاحب الظنون السيئة، وكم سيرافقه من الندم طوال حياته، وكم من روح ازهقت ظلما، وكم من مشاعر ماتت من سوء الظن، وكم من العلاقات انقطعت لأسباب خاطئة، فلا تنظروا بأعينكم فقط، انظروا بعقولكم واعرفوا الحقيقة واسمعوا من الشخص ماذا سَيقول قبل ردة فعل خاطئة تبكيكم ندماً.

الحياة الزوجية أساسها الرحمة وتبنى على المودة والعلاقات لم تُخلق إلا من أجل أن نُسعد بعضنا، فابتعدوا عن المسببات والبيئة التي تزعجكم وتخنقكم إلى غيرها بإحسان الظن والقول والفعل واستصحاب العفو والصفح وترك الانتصار لحظوظ النفس.

نسأل الله الهدى والسداد، وأن يلهمنا جميعاً رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى