مقالات

 “التابلويد” المسمار الأخير في نعش الصحافة الورقية!!

بقلم – محمد خضر الشريف:

لم يرق لي تحويل بعض الصحف السعودية الى شكل “التابلويد” لو كان يوما واحدا في الاسبوع ممثلا في العدد الأسبوعي؛ لسببين مهمين:
•الاول: أن الصحيفة ستخسر سوقا للإعلان في هذا اليوم سيما إن تصادف يوما مهما من الأبام أو الأحداث الني تكون مصدر خير على الصحيفة، بكسب مساحات اعلانية مميزة تنعشها بعض الشيء وتجعلها تتنفس الصعداء بعد حالة الركود الكلي لحصول الصحف الورقية على الاعلانات..

•السبب الثاني: أن الصحيفة ستقلل من قيمتها أمام القاريء الذي سينظر البها نظرة دونية،فبعد أن كانت الصحف تصنع ملاحق متخصصة “تابلويد” بشكل أسبوعي وأحيانا بشكل يومي وعلى مدار الأيام السبعة للأسبوع مع الصحيفة الأم كهدية للقاريء وتتصدق بالورق والحبر والبليتات والمواد الصحفية وووووو عليه خدمة له ولصحيفتها الأم أصبحت هي نفسها” تابوليد”!!
والشيء بالشيء يذكر فقد كانت صحيفة”المدينة”تصدر كل يوم ملحقا متخصصا بشكل “التابليود” بدءا من ملحق”الأربعاء” الثقافي، و”الهدف” الرياضي، مرورا بـ”الرسالة”الديني فـ”ذات الخمار”النسائي..

وبالطبع لم تشهد هذه الملاحق المكلفة من المدينة -أو من أخواتها من الصحف الأخرى التي تصدر ملاحق شبيهة بذلك -سنتيمترا واحدا من اعلان،بالرغم من الجهود الصحفية المبذولة في هذه الملاحق تحريريا وإخراجيا..
غير أن القاريء كان حريصا على قراءتها ومن ثم شراء الصحيفة الأم من أجلها ويجد كل مهتم من القراء بغيته على يوم الملحق حسب هواه ورغبته التي تتفاوت بين القضايا الدينية والثقافية الفنية والرياضية والنسائية، وهكذا..

وربما كان هذا هو الدافع الأكبر والمهم في أن بتكلف القائمون على الصحف بطبع هذه الملاحق وتوزيعها مجانا مع الصحيفة الأم كنوع من الترويج لها واغراء القاريء لشرائها ومتابعتها..

•ودعوني أضف سببا ثالثا؛ وهو ان تقلد الصحف الرصينة والقديمة هذه الصحف فتحذو حذوها وتنتهج نهجها، وهنا ستكون السقطة الكبرى أو قل المسمار الأخير في نعش الصحف الورقية؛ التي تمر بأزمة لم تشهدها من قبل؛ ولم يكن القائمون عليها يتوقعون أو يتخيلون أنهم سيعانون من هذه الأزمة الطاحنة التي تسبب فيها الصحافة الاكترونية الفورية أو مايعرف بـ(Online Journalism ) وآلتي يحصل القارئ على محتوياتها من خلال شبكات وقواعد البيانات، وخدمات المعلومات وهو في بيته أو مقر عمله أو على مقعد طائرته في الجو أو سفينته في البحر أو داخل سبارته في السهل والجبل..

وبالطبع فأنا لست مع ربط صحافة “التابوليد” بمفهوم “الصحافة الصفراء”
لأن أسلوب هذه يركز على القصص المثيرة وشائعات المشاهير ونجوم الرياضة، ووجهات النظر السياسية المتباينة وأحيانا السياسة المتطرفة، وأخبار الوجبات السريعة والتنجيم وماشابه ذاك..
وليس معنى هذا أنها اتت في صورة صحف ذات قطع صغير أو نصفي أومايعرف بـ( Tabloid) أنها كدلك الا ان بعضها دأب على إثارة ذلك وهي في شكلها من القطع الكبير او مايعرف بـ (Standard)
صحافة “التابلويد” لن تجذب قارئا بشكلها أو حتى بالمادة التحريرية أو الإخراجية التي تخدمها؛ لأنها في النهاية ورقية ولن تفلت من أزمة الصحافة الورقية التي تصارع أمام الالكترونية من أجل البقاء على الساحة الاعلامية.

ولن أقول ماقاله غيري من ان التحول الى صحافة التابلويد هو محاولة من القائمين على إدارة الصحف للحفاظ على مناصبهم ورواتبهم ؛مخافة الزوال والجلوس في البيت.. ولكني أقول إن كنا نريد الخروج من عنق زجاجة أرمة الصحافة الورقية فيكون بالتالي:

اولا :تطويرها تحريريا وإخراجيا والاهتمام بالمحرر الصحفي (محرر الصياغة)أو “الديسك مان”،وكذلك المخرج ومن يدور في دائرة عملهما، فهم عصب الصحيفة والجنود المجهولة في بعض الأحايين.

ثانيا: حسن سياسة جلب الاعلان ولو بالتخفيض للحد الأدني أو إغراء العملاء بعمل إعلانات بمبالغ رمزية أو حتى مجانية،كمرحلة اولى للتنشيط.

ثالثا:معاملة مندوب الاعلان بما يليق بمهمته فقط وهي جلب الإعلان وليس إحباره عل عمل “المحصل” وتخويفه بقطع ثمن ذلك الاعلان من راتبه وهذا سيجعله بحجم عن جلب الاعلان ..

رابعا:تنشيط عمل المحصبن وإلزامهم بالتحرك بالتحصيل بالشكل الايجابي من المعلن.
خامسا: حسن سياسة التوزيع ومراعاة نقاط التوزيع التي تحابي بعض الصحف على بعض -ربما برشاوي مادية لو معنوية- فتظهر هذه وتخفي تلك..
سادسا:الحفاظ على هوية الصحيفة فلكل صحيفة هويتها الخاصة بها وبصمتها المجتمعية لدى جمهور القراء واول الحافظ على هذه الهوية “تروستها”،وعدم التفريط يها وتغيبرها أو تحويرها أو تحريرها شكلا فالترويسة هي عنوان الصحيفة وجزء مهم من هويتها .

سابعا-وقل اولا وقبل كل شيء نزول القيادات التحريريةوالادارية من أبراجهم العاجية، والتمتع برواتبهم العالبة وامتيازاتهم الخيالية، للاختلاط بالبشر العاملين في أقسام الصحيفة ومعرفة المشاكل والسعي في حلها بما يتاح لهم من خبرة وسلطة وعلاقات عامة..
ويندرج تحت هذا أيضا التضحية بعض الشيء بجزء من رواتبهم الكبيرة وامتيازاتهم المادية ونثرياتهم الخيالية وهم يتحصلون عليها “تالت متلت”وفي موعدها وربما قبل موعدها،في الوقت الذي يبقى الصحفي والموظف في الصحيفة يصارع من اجل الحصول على راتبه -شبه المتواضع -ليسد عثرات ايجار سكنه وقسط سيارته ومصاريف مدارس أبنائه ونفقات أسرته وحاجتهم الضرورية للطعام والشراب والكساء..
أعلم أن الأخيرة هذه لن تعجب القوم وسيمتعضون منها جدا؛ لكن الحق مر ،ولابد من قوله، يقبله من يقبله ويرفضه من يرفضه، والاحساس بالمسؤولية يلزم المشاركة في الازمة والتضحية؛ وقديما قرقرت بطن عمر من اكل الخبز اليابس والزيت في عام الرمادة؛ مشاركا رعيته أزمة المجاعة، فخاطب بطنه بقوله:”قرقري أو لا تقرقري، مالك الا الخبز والزيت حتى تشبع بطون المسلمين”!!
الرجوع الى “التابلويد” رجوع للقهقرى في بلاط “صاحبة الجلالة”، واسمحوا لي أن أقول إنها مسألة “ترقيع”للثوب ليس إلا، أو لنقلها بصراحة؛ هو المسمار الأخير في نعش الصحافة الورقية!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى