مقالات

سداد فواتير ودفاتر الديون .. تكافل ومسئولية مجتمعية

 

بقلم – د.سليمان بن صالح الطفيل:

التكافل الاجتماعي صورة من صور التعاون على البر والتقوى ودِعَامَة أساسية من دعائم المجتمع الإسلامي، يشمل صورًا عديدة من التعاضد والتآزر والمشاركة والتعاون في سدِّ الثغرات ومعالجة النكبات ؛ تتمثَّل بتقديم العون والحماية والنصرة والمواساة، وذلك إلى أن تُقضى حاجة المضطر، ويزول هَمُّ الحزين، ويندمل جرحُ المصاب، ويبرأ الجسدُ كاملاً من الآلام والأسقام…
ومع تعرض الناس اليوم لجائحة عالمية ألزمتهم منازلهم ، ووقف أعمالهم ومناشطهم ، زادت من آثارها السلبية على معيشة الناس وتوفير حاجاتهم الضرورية من مطعم ومشرب وملبس ومسكن ،.. فكثر بسبب ذلك عدد المدينين وزادت عدد فواتير مديونياتهم والتزاماتهم
والمجتمع الإسلامي منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده ومنهم سار من بعدهم الى هذا اليوم يقوم بدور إنساني اجتماعي تعاوني بفضل الله تعالى ثم بفضل ما جاءت به الشريعة الاسلامية من آيات قرآنية واحاديث نبوية وموقف وممارسات اجتماعية رائعة ضربت أروع الأمثلة في التلاحم والترابط والتعاون …
من الآيات قوله تعالى :
( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) وهي مقرونه بأن رضا الله الذي هو التقوى برضا الناس الذي هو البر لاهميته وعظيم شأنه .
وقال تعالى : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم )
وقوله تعالى ( والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم )
وقوله تعالى 🙁 خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا )
ومن الأحاديث :
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ”
وما رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْـمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ”.
وكذلك ما رواه عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: “الْـمُسْلِمُ أَخُو الْـمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”.
قال النووي رحمه الله: “في هذا فضل إعانة المسلم وتفريج الكرب عنه وستر زَلاَّته، ويدخل في كشف الكربة وتفريجها مَنْ أزالها بماله أو جاهه أو مساعدته، والظاهر أنه يدخل فيه مَنْ أزالها بإشارته ورأيه ودلالته ” وهذا هو معنى التكافل في المجتمع المسلم
والآيات والأحاديث وأقوال التابعين واهل العلم لا تعد من كثرتها في هذا المقام
وقد ظهرت عديد لهذا التكافل منها ما اعتادت عليه مدينة غازي عنتاب التركية منذ ايام الدولة العثمانية حتى اليوم بقيام أغنياء أهل المدينة في العادة وشهر رمضان بشراء فواتير الديون التي على الفقراء والمحتاجين من البقالات داخل الاحياء بعد حصرها ثم سدادها حتى شاعت هذه العادة في كثير من الاحياء والمدن التركية ،كما اطلقت وزارة الداخلية في المملكة العربية السعودية في رمضان الماضي لعام ١٤٤٠هجري حملة فرجت لخدمة أهل الخير والغنى لتوصيل مساعداتهم بتفريج كربة المسجونين بديون عجز المدينين المعسرين عن سدادها وذلك عبر منصة أبشر الالكترونية لضمان وسلامة وصول الأموال وسددها للدائنين باسرع وقت،وهنا يجب التنبيه الى ما يلاحظ من كثرت الرسائل عبر حسابات التواصل الاجتماعي التي تطلب سداد فواتير مدينين وهذه فيها مخاطرة أن تكون حسابات وهمية وغير صحيحة ، والواجب الدخول على منصّة فرجت عبر موقع وزارة الداخلية لضمان سداد فواتير ومطالبات المدينين المسجونين .
هذه لمحة سريعة لأهمية التكافل والمسؤولية المجتمعية في معالجة هذه الثغرات والفجوات التي قد تفسد بناء المجتمع وتضعف تماسكه ؛ هناك حالات عديدة يمكن اطلاق مبادرات لها أو العمل عليها لتطبق قول الرسول صلى الله عليه وسلم:(حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)..
ومن ذلك على سبيل المثال فواتير ودفاتر الديون على الأشخاص المعسرين في :
– البقالات والتموينات .
– محلات الخضار والفواكه.
– محلات مغاسل الملابس.
– محلات الملابس النسائية والأطفال والرجال .
– المطاعم والبوفيهات .
– محلات الملاحم وبيع لحوم الدواجن .
– مكاتب العقار تعثر سداد الايجارات.
– فواتير تعثر سداد الكهرباء .
– فواتير تعثر سداد المياه .
– وغيرها العديد مما يمكن تصنيفه ضمن هذه القائمة ..
وقبل أن اختم ، أرى من الأهمية بمكان أن تطور الجمعيات الخيرية من عملها في هذا الجانب وأن تطلق مبادرات قيمة كحملة فرجت بالتعاون مع الشئون الاجتماعية ، كذلك الهيئة العامة للاوقاف والواقفين ونظار الأوقاف عليهم مسئولية كبيرة في هذا الأمر أن يضعوا نصب اعينهم معالجة هذه الحالات وتقديم خدمات عالية لها ، فهناك الفقير العاجز والمسكين المتعفف والغني المبتلى المنكسر أو المتأزم .. وكثير من النساء الأرامل والعاطلين عن العمل الذين لا يجدون ما يسدوا به حاجتهم ويستروا به حالهم … كما على كل غني ورجال الاعمال وسيدات الاعمال الا يتأخروا في مسئوليتهم الاجتماعية وواجب الشرعي بالتصديق من أموالهم ودفعها للمستحقين لها من المدينين المعسرين؛ثم إني اقترح أن تؤسس جمعيات تعاونية في كل منطقة من مناطق المملكة ال ١٣ عَلى الأقل تسمى جمعية تعاضد او تآزر أو تكاتف أو تكافل تعنى بهذه الفئة من المجتمع حتى يسود الخير وتشييع الفرحة والسعادة ويشعر الجميع أنهم مجتمع واحد على قلب رجل واحد إذا اشتكى منه عضو تداعت سائر الأعضاء له كما جاء في الحديث المشهور عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.
________

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى