مقالات

الأمن الغذائي

بقلم – سلمان بن محمد العُمري:

من الهواجس التي أصابت العالم في أزمة كورونا هاجس الأمن الغذائي، وساد هذا القلق الدول والشعوب خشية من المجهول ودوام التداعيات وآثار هذا البلاء والوباء الذي حمله فيروس «كورونا كوفيد»، ورأينا في عدد من دول العالم يتسابق الناس على محلات المواد الغذائية والاستهلاكية بشراء ما يستطيعون شراءه.

ونحن جزء من العالم ساد لدى البعض الخوف والقلق من المستقبل الغذائي في أيام الحظر أو ما بعدها، وقد ظهرت -ولله الحمد- التطمينات من الجهات المختصة بتوافر المواد الغذائية والمخزون الغذائي، ولكن مما زاد في قلق البعض أن بعض المنتوجات الغذائية والزراعية المتوافرة لدينا ونصدر الفائض منها للخارج قد نفدت من الأسواق، وزادت قيمتها، ومن ذلك البيض.

وليست العبرة في الأمن الغذائي هو تبني الزراعة والإنتاج وإن كان مهماً والدليل أن سنغافورة احتلت المركز الأول على مستوى العالم في الأمن الغذائي في العام الماضي بمؤشر 87.4 % سابقة بذلك إيرلندا، والولايات المتحدة الأمريكية، وسويسرا، وفنلدا فيما جاءت المملكة العربية السعودية في المركز التاسع على مستوى العالم، وهذا المؤشر يتم حسابه بناء على ثلاثة عوامل هي: قدرة المواطن على شراء الطعام، والثاني: مدى توفره، والثالث: مدى جودته وأمانه، وهذه العناصر الثلاثة جميعها متوفرة لدينا – ولله الحمد، والسمة الغالبة لدى معظم دول الخليج العربي -ولله الحمد- أنها ذات مؤشرات عالية في الأمن الغذائي على الرغم أن معظمها لا يتوافر فيها إنتاج غذائي أو زراعة وتعتمد كثيراً على الاستيراد، وقد سمعنا أخيراً موافقة دول مجلس التعاون الخليجي على مقترح إنشاء شبكة أمن غذائي متكامل لدول المجلس

إن أولى خطوات الأمن الغذائي -بلا شك- هو أن يكون إنتاجه محلياً وذاتياً والعمل على تحقيق الاكتفاء تحسباً لأي ظرف أو طارئ كما حدث خلال هذه الأيام، ولاسيما إذا تعطلت وسائط النقل كما هو حاصل الآن، ولذا فيجب أن يتم دراسة الحلول كافة وفي مقدمتها الاستثمار الزراعي المحلي بدول المجلس، وإعادة النظر في مسألة الجدوى الاقتصادية، وقضايا الماء التي وقفت بعض المشاريع الزراعية الجبارة التي كانت قد بدأت ملامحها في عهد الملك خالد، والملك فهد -رحمهما الله-، ومن ذلك إنتاج القمح، ومزارع الألبان، والدواجن، ومشاريع الثروة السمكية، والتي ما زالت -ولله الحمد- في نمو وازدهار، ولابد من تشجيع الاستثمار في المجال الزراعي سواء للمزارعين أو عن طريق الشركات أو استثمار الدولة -أيدها الله-، وعلى وزارة الزراعة وهي الجهة المنوط بها هذا الأمر إعادة النظر في خطط وإستراتيجيات الزراعة.

ولربما قائل يقول ولكن لدينا مشكلة شح المياه وقلة منسوب المياه الجوفية حسب الدراسات السابقة، وهذا الأمر في الحقيقة ليس على إطلاقه فليست كل مناطق المملكة تعاني من شح المياه، ويمكن اختيار المناطق المناسبة للزراعة وتشجيع الوسائل الحديثة كالبيوت المحمية التي توفر الماء والجهد والعمل على استغلال المصادر الطبيعية الحالية والاستفادة خاصة من أمطار السيول بشكل صحيح، واستخدام التقنية والتقطير.

نعم إن الماء عنصر بالغ الأهمية ولا حياة من دون ماء لأي كائن حي، ولكن الزراعة تطورت وتطورت الوسائل الحديثة التي توفر وتقلل من هدر المياه، فمشاريع الهيدرويونك مثلاً يمكن زراعتها في المناطق الجبلية غير الصالحة للزراعة لأنها لا تتطلب تربة أصلاً، والمياه إذا تم تعبئة أحواض الزراعة الصغيرة فإن ريها لا يعدو ما يفقد من البخار فقط، ويجب على وزارة الزراعة الاستماع للمزارعين وسماع ما لديهم من مشكلات سواء في المواد أو في العمالة أو في الخدمات أو حتى في توزيع الرزنامة أو تأمين ثلاجات عمومية لحفظ المنتوجات؛ فمن المشكلات التي يعاني منها بعض المزارعين هي وفرة المنتج في أوقات محددة، وفي مناطق معينة فتكون رخيصة للغاية ولا ترد قيمة زراعتها في حين أنها ستدر في أوقات وأماكن أخرى، وتوافر ثلاجات لحفظ المنتوجات الزراعية تسهم في توفر السلع، وتسهم في استمرار الأمن الغذائي، ومن المشكلات الأخرى لدى بعض ضعاف النفوس أنهم أوكلوا أمر الزراعة لعمالتهم أو تم تأجيرها عليهم، وهذه المزارع تدار بأيدي العمالة وتحت تصرفها، ويسرفون في استخدام الماء دون حسيب ولا رقيب لأن العامل يفكر في كسبه في هذا الوقت ولا ينظر لمشكلة الماء أو حرق الأرض وكأنه يستخدم سياسة الأرض المحروقة، ومن أكبر مشكلات المزارعين بل والدائمة مشكلة التسويق لهذا المنتج الذي يدار تحت «عصابات» العمالة التي تستحوذ على الأسواق والمنتوجات وتتخذها بلا وعي ولا مسؤولية، والدليل بعض من تم القبض عليهم في هذه الأيام ممن يقومون بتخزين بعض السلع والمنتوجات من خلال احتكارها وشرائها بالكامل من المزارعين وعن طريق عمالة أمثالهم، فهم من يمتهنون البيع والشراء والخاسر بينهما المزارع والمستهلك على حد سواء، والحل في إيجاد شركات تسويق، وإيجاد ثلاجات تخزين في كل منطقة على غرار صوامع الغلال التي تستقبل من المزارعين القمح والشعير.

ونعود للماء، والماء الذي لا يتم الاستفادة منه خلال مواسم الأمطار في الأودية والشعاب. أتمنى مرة أخرى من المسؤولين المعنيين في وزارة الزراعة إعادة دراسة الاستفادة من مياه الأمطار بغير الطريقة البدائية «السدود»، وبما يضمن الاستفادة منها بنسبة أكبر كمخزون للمياه يستفاد منه للشرب والزراعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى