إجتماعيهالباحثصحة

تجنب المخالطة للمصاب بالمرض المعـدي

بقلم: الدكتور سامح أبو طالب

من أهم وسائل وطرق مكافحة المرض المعدي ، والوقاية منه – بإذن الله تعالى – تجنب مخالطة المصاب به، وهذه الوسيلة هي من أقدم الوسائل في مكافحة المرض المعدي. وبهذا جاءت السنة المطهرة بالنهي عن مخالطة المصاب في قوله   : “لايورد ممرض على مصح” ([1]) وقوله   :”فر من المجذوم فرارك من الأسد ” ([2]) ، وأمر عمر  المرأة المجذومة التي كانت تطوف بالبيت بالجلوس في بيتها ([3]) ، فما هذه الأحاديث وأمثالها إلا دليلا على كون المخالطة سبباً في العدوى بقدر الله ومشيئته ، فوجب اتقاء ذلك السبب ، ذلك أن كثيراً من الأمراض تنتقل عن طريق المخالطة بين المصاب والسليم خاصة تلك التي يطلق عليها الأمراض الوبائية شديدة العدوى كالطاعون والجذام والإنفلوانزا والالتهاب الرئوي اللانمطي (سارس) ونحوها مما ينتقل عن طريق الملامسة أو الهواء ، فهي سريعة الانتشار ، قاتلة في بعض الأحيان ، تسبب إعاقات مستديمة في أحيان أخرى .

وابتعاد المصاب وتجنب السليم له ، يَحُدُّ من انتشار المرض وتفشيه ،ويتأكد ذلك فيما لو كان المرض وبائياً منتشراً ، وفيه خطر على الناس([4]) ولكل مرضٍ معدٍ طُرُقُه في الانتشار ، كما أن المرض نفسه تختلف طريقة العدوى به بحسب حالة المصاب ، وفترة العدوى أو ما يسمى “بمدة الحضانة” . وفيما يأتي بيان بأهم أنواع المخالطة التي تؤدي إلى انتقال الفيروس المعدي من المصاب به السليم .([5])

  • الجماع : أو ما يعرف” بالاتصال الجنسي ” فالأمراض التناسلية (الجنسية) المعدية هي في معظمها خطيرة جداً تنتقل عن طريق الاتصال بين الرجل والمرأة أو بين الشاذين من الجنسين ، وقد ينتقل بعض تلك الفيروسات من المرة الواحدة . ولهذا حرم الشارع الحكيم الزنا وكل ما يقرب إليه أو يدعو له ، قال تعالى :وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ( الإسراء :32 ).وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال:” أقبل علينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فقال يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن ، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم ..” ([6])
  • المخالطة اللصيقة بالمصاب :وهي من أسباب انتقال العدوى والأمراض التي تنتقل عن طريقها نوعان :الأول : أمراض تنتقل عن طريق ملامسة الجلد المصاب سواء كان المصاب إنساناً أو حيواناً ، ومن تلك الأمراض الجرب والأمراض الجلدية الجرثومية كالجمرة الخبيثة ،والأمراض الجلدية الفطرية التي تؤثر على الجلد والشعر. الثاني : أمراض تنتقل عن طريق الإفرازات الصادرة عن المصاب كالتنفس والرذاذ واللعاب والمخاط ونحو ذلك ، وهي كثيرة وخطيرة ، وقد تتحول إلى أمراض وبائية متفشية كالإلتهاب الرئوي والإنفلوانزا والجذام والطاعون . ([7]) وغيرها. فما يلفظه الإنسان المريض من رذاذ أثناء السعال والكلام والتنفس والمصافحة تؤدي إلى انتقال الميكروب إلى جسم الصحيح ، كما يؤدي الازدحام الشديد إلى انتشار تلك الأمراض وخاصة في الأماكن العامة والمواسم كالحج ورمضان .

وقد جاءت الشريعة الإسلامية بالآداب التي تكفل حماية الإنسان وتحميه وتصونه – بإذن الله تعالى – ، ومن أهمها :

  • النهي عن الاستنجاء باليمين ومَسِّ الذَّكر بها : عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء ، وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه ولا يستنج بيمينه” ([8]). والحكمة من النهي تكريم اليمين، وكونها للأمور المحترمة كالسلام والأكل والشرب والإعطاء ،ولأن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب.([9])

وتظهر حكمة أخرى وهي أن اليمين بها يصافح المرء غيره ويلامسه ، واستنجاؤه باليمين مظنة بقاء الجراثيم بها وهي لاترى بالعين المجردة ؛ إذ معلوم أن الماء وحده لا يزيل كل الجراثيم والميكروبات بمجرد الغسل ، فلو استنجى باليمين ثم لامست يمينه غيره لانتقلت الميكروبات إليه فيحصل له الضرر بذلك ، يدل على ذلك أن كل محل للقاذورات منهي عن تنظيفه باليمين مع القدرة على استعمال اليسار . ب- تغطية أنفه بيده أو نحوها إذا عطس : فعن أبي هريرة  قال : “كان النبي  إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فِيْه”([10])، قال ابن العربي ([11]) : “الحكمة  … أنه لو بدر منه شيء آذى جليسه ” فقد يبدو من فِيْه أو أنفه ما يؤذي جليسه ، وهذه الحكمة ظاهرة ،لكن أثبت الطب الحديث أن هناك حكمة أخرى هي أهم من ذلك ،وهي أن الإنسان بوضع يده أو طرف ثوبه أو منديله يمنع خروج الميكروبات فلا تنتقل إلى السليم فتعديه – بإذن الله- ، إذ إن كثيراً من الأمراض المعدية تنتقل عن طريق الجهاز التنفسي بسبب استنشاق الرذاذ المتطاير في الهواء الذي يكون متشبعاً بالميكروب .

 ج_ النهي عن التنفس في الإناء أو النفخ فيه ، والشرب من فم القربة ونحوها :

عن ابن عباس  أن رسول الله   : “نهى أن يتنفس في الإناء وأن ينفخ فيه”([12]). وقد ذكر أهل العلم حكماً لذلك النهي منها :

  • أنه من باب المبالغة في النظافة ، إذ قد يخرج مع النفس بصاق أو مخاط ، أو بخار رديء فتتغير رائحة الإناء فتتقذر النفس منه ([13]) .

2-إن الشرب مع التنفس غير محمود عند أهل الطب ، وربما يؤدي إلى أذى الكبد،([14]) وذكر الأطباء أن الذي يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه إذا كان مصاباً بمرض معدٍ مما ينتقل عن طريق الرذاذ يلحق الضرر بالآخرين الشاربين بعده ، وقد يتسبب في نقل العدوى إليهم .

رابعا : الأذكار والدعاء : كقول ” بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ” ودعاء الخروج من المنزل ، سؤال الله العافية ، والتعوذ من البلاء .

([1]) سبق تخريجه .

([2]) سبق تخريجه .

([3]) أخرجه الإمام مالك في الموطأ ، باب (جامع الحج) ، ( 424 ) برقم  (950)

([4]) انظر : الأمراض المعدية للكاديكي ، ( 21 )

([5] ) أحكام الأمراض المعدية في الفقه الإسلامي ( 125 وما بعدها )

([6]) أخرجه ابن ماجه في سننه كتاب الفتن باب العقوبات ( 579-580) برقم (4019)،والحاكم في مستدركه ( 4/583)

([7]) انظر : الأمراض المعدية للكاديكي، ( 59/62) .

([8]) أخرجه البخاري ، كتاب الوضوء ، باب النهي عن الاستنجاء باليمين ، ( 38 ) برقم (153).

([9]) انظر: الشرح الكبير لابن قدامة ، ابن قدامة المقدسي ، ط : مطبعة المنار – القاهرة – ( 8 / 123)

([10]) أخرجه أبو داود في سننه كتاب الأدب ، بابٌ في العطاس ، ( 707 ) برقم (5029) ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، (2745)

([11]) انظر : فتح الباري ( 10/602 )

([12]) أخرجه أبو داود في سننه كتاب الأشربة ، بابٌ في النفخ في الشراب والتنفس فيه ، ( 533/534 ) برقم (3728) والترمذي في سننه كتاب الأشربة ، باب (ما جاء في كراهية النفخ في الشراب) (442 ) برقم (1888) ، وقال : هذا حديث حسن صحيح .

([13]) انظر : فتح الباري (1/253 و 10/92 )

([14]) انظر : التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ، ابن عبد البر النمري ، ط: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية – المغرب – (1/397 ) ، وحاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني ، علي الصعيدي العدوي المالكي ، ط: دار الفكر – بيروت (2/463 ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى