إجتماعيهصحةمقالات وآراء

القواعد والضوابط الفقهية للتعامل مع الأوبئة وتطبيقاتها

بقلم : د/ سامح أبو طالب

المبحث الثاني : خصائص الطاعون

يتميزالطاعون عن الأوبئة  بعدة أشياء ذكرت في أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم – أهمها : – أن الله جعله رجزاً على الكافرين ورحمة للمؤمنين :

وهذه الخاصية لعلها تجيب على أسئلة الكثير من المسلمين حول ما يعيشه العالم الآن من انتشار الوباء ، فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت : “سألتُ رسول الله  عن الطاعون فأخبرني أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء ، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين”، ([1]) قال ابن حجر: وهو صريح في أن كون الطاعون رحمة إنما هو خاص بالمسلمين وإذا وقع بالكفار فإنما هو عذاب عليهم يعجل لهم في الدنيا قبل الآخرة ، وأما العاصي من هذه الأمة فهل يكون الطاعون له شهادة أو يختص بالمؤمن الكامل ؟ فيه نظر ، والمراد بالعاصي من يكون مرتكب الكبيرة ويهجم عليه ذلك وهو مصر، فإنه يحتمل أن يقال لا يكرم بدرجة الشهادة لشؤم ما كان متلبسا به .([2] – أنه شهادة لكل مسلم :عن أنس  قال : قال رسول الله  : “الطاعون شهادة لكل مسلم” ([3]) ، وعن أبي هريرة  قال : قال رسول الله  :” ومن مات في الطاعون فهو شهيد “ ([4]) ، وفي حديث عائشة  : ” … ليس من أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابراً محتسباً يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد” ([5]) . قال ابن تيمية ([6]): الصبر على المصائب واجب باتفاق أئمة الدين ، فالصبر واجب من حيث الجملة ، ولكنه يتأكد بحسب الأوقات ، فهو في زمن الطاعون آكد منه في غيره ، فإنه إذا صبر على الإقامة في البلد الذي وقع فيه الطاعون وصبر عند موت أولاده أو أقاربه أو أصحابه ، وصبر أيضا عند مصيبته بنفسه ، وعلم يقينا أن الآجال لا تقديم فيها ولا تأخير، وأن الله تعالى كتب الآجال في بطون الأمهات ، كما ثبت في الصحاح كتب رزقه وأجله وشقي هو أو سعيد ، فإذا صبر واحتسب لم يكن لها ثواب دون الجنة ، وإذا جزع ولم يصبر أثم وأتعب نفسه ، ولم يرد من قضاء الله شيئا .

 – أنه لا يدخل المدينة ولا مكة : عن أبي هريرة  قال : قال رسول الله  : ” المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة ، على كل نقب منها ملك ، لا يدخلها الدجال ولا الطاعون” ([7]) ، وذلك من بركة دعائه – صلى الله عليه وسلم – للمدينة ، وقد أراد عمر والصحابة أن يرجعوا إلى المدينة حين وقع الوباء بالشام ؛ ثقة منهم بقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذى أمنهم من دخول الطاعون بلدهم ، ولذلك نوقن أن الدجال لا يستطيع دخولها البتة ، وهذا فضل عظيم للمدينة.([8])

  – أنه وخز الجن : عن أبي موسى الأشعري  أن النبي  ذكر الطاعون فقال : “وخز أعدائكم من الجن وهي شهادة لكل مسلم” ([9]) .

والمراد بالجن هنا هم كفار الجن على الصحيح ، وهذه العلل والأسباب ليس عند الأطباء ما يدفعها ، كما ليس عندهم ما يدل عليها ، والرسل تخبر بالأمور الغائبة ، وهذه الآثار التي أدركوها من أمر الطاعون ليس معهم ما ينفي أن تكون بتوسط الأرواح ، فإن تأثير الأرواح في الطبيعة وأمراضها وهلاكها أمر لا ينكره إلا من هو أجهل الناس بالأرواح وتأثيراتها وانفعال الأجسام وطبائعها عنها ، والله سبحانه قد يجعل لهذه الأرواح تصرفا في أجسام بني آدم عند حدوث الوباء وفساد الهواء ، كما يجعل لها تصرفا عند بعض المواد الرديئة التي تحدث للنفوس هيئة رديئة ، ولا سيما عند هيجان الدم وعند هيجان المني ، فإن الأرواح الشيطانية تتمكن من فعلها بصاحب هذه العوارض مالا تتمكن من غيره مالم يدفعها دافع أقوى من هذه الأسباب من الذكر والدعاء والابتهال والتضرع والصدقة وقراءة القرآن ، فإنه يستنزل بذلك من الأرواح الملكية ما يقهر هذه الأرواح الخبيثة ، ويبطل شرها ويدفع تأثيرها .([10]) والوَخْز : بفتح الواو وسكون الخاء : الطعن غير النافذ ([11]) ، وقيل في الحكمة في كون الطاعون وخز أعدائنا من الجن أن الله تعالى أمرنا بمعادات الكافرين من الجن والإنس وأمرنا بجهادهم ؛ طلباً لمرضاته فأبى الناس إلا أن يسالموهم فسلطهم الله عليهم عقوبة لهم حيث أمروهم بالمعاصي والفجور فأطاعوهم ([12])– أنه إذا وقع ببلد فيحرم القدوم عليه أو الخروج فراراً منه :عن عبد اللّهِ بن عَامرٍ، أنَّ عُمرَ خرَجَ إلى الشام فلما كان بسَرْغَ بلَغَهُ أنَّ الْوبَاءَ قد وقَعَ بالشام ، فأَخْبَرَهُ عبد الرحمن بن عوْفٍ أنَّ رسُولَ اللّهِ – صلى الله عليه وسلم-  قال: ” إذا سَمعْتُمْ بهِ بأَرْضٍ فلا تقْدَمُوا عليه ، وإذا وقَعَ بأَرْضٍ وأَنْتُمْ بها فلا تخْرُجُوا فرَارًمنه .([13] ) فعمر – رضي الله عنه – استعمل الحذر وثبت بالقدر معا ، وهو طريق السنة ونهج السلف الصالح – رحمة الله عليهم – أما القول : بإنه لا ينفع حذر من قدر ، معناه : فيما كتب من القضاء المحتوم ، كما لا ينفع الدعاء والدواء في رد الموت إذا جاء الأجل المكتوب في أم الكتاب ، ثم قد يكون النفع في الحذر والدعاء والدواء إذا كان القلم قد جرى بإلحاق النفع بأحد هؤلاء ، وهو ميسر لما كتب له أوعليه .([14])

([1]) أخرجه البخاري ، كتاب أحاديث الأنبياء ، ( 716 ) برقم (3474) .

([2]  ) انظر : فتح الباري (10/ 192)

([3]) أخرجه البخاري ، كتاب الجهاد والسير ، باب (الشهادة سبع سوى القتل) ، (575 ) برقم (2830)

([4]) أخرجه مسلم ، كتاب الإمارة ، باب (بيان الشهداء) ، ( 794 ) برقم (1915) .

([5])أخرجه البخاري ،باب (قلْ لنْ يُصِيبنَا إلا ما كتَبَ الله لنا ) ( 6 / 2441 ) برقم ( 6245)

([6] ) تسلية أهل المصائب ، محمد بن محمد الحنبلي ، ط دار الكتب – بيروت-  ( 1/ 133 /134)

([7]) أخرجه أحمد في المسند من حديث أبي هريرة ، ( 731 ) برقم (10270) ، قال ابن حجر : ورجاله رجال الصحيح . انظر: فتح الباري (10/191)

([8] ) شرح صحيح البخاري ، لابن بطال ، ط : مكتبة الرشد – الرياض – ( 4 / 550/551)

([9])أخرجه أحمد في المسند من حديث أبي موسى الأشعري ، ( 1431 ) برقم (19757)

(33) زاد المعاد ( 4 /39/40)

([11]) انظر: لسان العرب ، محمد بن مكرم بن منظور ، ط : دار صادر – بيروت – ( 7 / 281)

([12]) انظر : زاد المعاد (4/38 )

([13] ) أخرجه البخاري ، باب ( ما يذكر في الطاعون ) (5 / 2164) برقم ( 5398)

.(37) انظر : القضاء والقدر ، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، ط : مكتبة العبيكان – الرياض

( 1/220)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى