إجتماعيهعاممقالات وآراء

القواعد والضوابط الفقهية للتعامل مع الأوبئة وتطبيقاتها

 

بقلم : د/ سامح أبو طالب

المبحث الأول: حقيقة الطاعون والوباء

المسألة الأولى : أولا : تعريف الطاعون : في اللغة : مأخوذ من الطعن ، نقول طعن فلان عل ىفلان طعنانا،إذا أدخل عليه العيب وطعن فيه، وقع فيه عند غيره، وطعن فهو مطعون من الطاعون.([1]) وسمي طاعون اًلعموم مصاب هو سرعة قتله، في دخلفيه مثله مما يصلح اللفظله . ([2])وقيل: هوكلم رضعا ميقعب كثير من الناس نوعاً واحداً، بخلاف سائرالأوقات، فإنأ مراضهم فيها مختلفة. وقيل: الطاعون هو الموت الكثير .([3]) والأصل فيه ماروته عائشة tقالت : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- :”لا تفنى أمتي إلا بالطعن والطاعون، قلت يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه  ، فما الطاعون ؟ قال : غدة كغدة البعير”([4])  وقد تعددت كلمة العلماء في وصف الطاعون ، فقيل : الطاعون هوالمرضالعام، والوباءالذييفسدلهالهواءفتفسدبهالأمزجةوالأبدان .([5])

وقيل : هو قروح وورم يخرج من البدن من الأماكن الرخوة من الجسد .([6]) وقيل : هوالوجعالغالبالذيينطفيبهالروح،كالذبحةونحوها .([7])

ويعرّف الطاعون طبياً بأنه: مرض معدٍ تسببه بكتيريا باسيل صغيرة جداً ، من فصيلة (باستوريلا) تصيب الفئران ونحوها من الحيوانات القارضة ، وتنتقل بواسطة البراغيث إلى الإنسان والحيوانات الأخرى ” ([8]) .

ولا تخرج الأنواع التي قررها الطب الحديث عن تلك التي ذكرها العلماء المسلمون؛ ذلك أن أنواع الطاعون ثلاثة 🙁[9])

الأول : الطاعون اللمفاوي الورمي : وهو ينتشر بين الفئران، ثم ينتقل إلى الإنسان بواسطة البراغيث. الثاني : الطاعون الرئوي : وفيه تصاب الرئتان بالتهاب رئوي،ويحصل هبوط في القلب وتحصل الوفاة سريعاً إذا لم يعالج خلال مدة لا تتجاوز أربعة أيام ، وهذا النوع أشد أنواع الطـواعين فتكاً ؛ لأنه ينتقل عن طريق التنفس فتسهل الإصابة به سريعاً.الثالث : طاعون تعفّن الدم ، وفيه تهاجم البكتيريا الدم وتحصل الوفاة خلال يوم واحد قبل أن تظهر أعراضه .

ثانيا: تعريف الوباءلغة :الوباءبالقصروالمدمرضعام،وجمعالمقصورأوباءبالمدوجمعالممدودأوبئة.([10])

واختلفت كلمة العلماء في الجمع بين الطاعون والوباء ، فقيل:الوباءهوالطاعون،وقيل : هوكلمرضعاميقعبكثيرمنالناسنوعاًواحداً،بخلافسائرالأوقات،فإنأمراضهمفيهامختلفة . وقيل: كلطاعونوباء،وليسكلوباءطاعوناً،وقيل : الطاعونهوالموتالكثير، كما أنهبثروورممؤلمجداًيخرجمعلهيبويسودماحولهأويخضرويحصلمعهخفقانالقلبوالقيءويخرجفيالمراقوالآباط .([11])

ومن قال بإنهما مختلفان استدل بأن الطاعون لا يدخل المدينة ، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” على أنقاب المدينة ملائكة ، لا يدخلها الطاعون ولا الدجال” ([12]) ، أما الوباء فيدخلها بدليل حديث عائشة – رضي الله عنها -“وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله” ([13]) ، وقد وقع في زمن عمر الوباء بالمدينة ومات بسببه الناس موتاً ذريعاً ([14])،وهم يخرجون منها ويدخلون،ولم يذكر أحد من العلماء أن الطاعون وقع بالمدينة في عصر من العصور([15]).

ولعل من جعل الوباء هو الطاعون أطلق ذلك من باب المجاز ؛ لاشتراكهما في عموم المرض أو كثرة الموت  ([16]) ، أو أن الطاعون يطلق بمعنى عام على جميع الأوبئة ، وبمعنى خاص على الداء المعروف .كما أن أعراض الطاعون تختلف عن الوباء ، فالطاعون يصيب الأماكن الرخوةويقع في الغالب في الإبط وخلف الأذن ، وليس كل وباء كذلك .([17])

ومن ثمرات الخلاف أنَّ من قال : إنَّ كل وباء طاعون ، فغير الطاعون من الأمراض الوبائية التي يعم الموت بسببها تأخذ خصائصه وأحكامه، فالموت بها شهادة، وتكون رحمة للمصابين بها من المسلمين ، وغير ذلك ، إذ إن الطاعون اسم لكل مرض عام فخصائصه ليست له ، بل يشاركه غيره فيها ؛ لأن كل الأوبئة طواعين .

أما على قول من قال إنه ليس كل وباء طاعوناً ، فإن للطاعون خصائص تميزه عن غيره لا يشاركه فيها غيره ، فالوباء وصفٌ للمرض الذي يعم جهة من الجهات فيصيب الكثير من الناس ، فيدخل فيه الطاعون وغيره من الأمراض المعدية الوبائية . “والتحقيق أن بين الوباء والطاعون عموماً وخصوصاً، فكل طاعون وباء وليس كل وباء طاعوناً” .

وحديث الطاعون دليل على صدق رسالة النبي r ، ومعجزة كبرى من معجزاته إذ إنه r كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ، ولم يحدث الطاعون في جزيرة العرب، ومع ذلك كان النهي عن الدخول إلى البلد المصاب أو الخروج منها الذي جاءت به السنة المطهرة ، من أنجع السبل لمكافحة تلك الأوبئة القاتلة والسيطرة عليها، وهو ما يعرف الآن ” بالحجر الصحي” ، والذي لم تعرفه البشرية إلا أواخر القرن التاسع عشر ، فأصبح أول إجراء يتخذ عند تفشي مثل تلك الأمراض هو الحجر الصحي ([18]) .

  • كتابالعين،الخليلبنأحمدالفراهيدي،دارومكتبةالهلال،تحقيق : دمهديالمخزومي / دإبراهيمالسامرائي ( 2/15) مادة (ط – ع – ن )

(2) عمدةالقاريشرحصحيحالبخاري،بدرالدينمحمودبنأحمدالعيني،ط: دارإحياءالتراثالعربي – بيروت-( 14 / 129)

(3) المرجع السابق (16 / 58 )

([4]) أخرجه أحمد في مسنده ص 1875-1876 رقم الحديث (25631)وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري 10/188″ سنده حسن “، وصححه الألباني في صحيح الجامع 2/732 .

والغدة:لحم يحدث من داء بين الجلد واللحم ، وهي طاعون الإبل وقلما تسلم منه : انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر،أبوالسعاداتالمباركبنمحمدالجزري،ط :المكتبةالعلمية – بيروت – (3/343 ) ، والمصباح المنيرفيغريبالشرحالكبيرللرافعي،أحمدبنمحمدبنعليالمقري،ط : المكتبةالعلمية – بيروت (443 ) .

(5)انظر : فتحالباريشرحصحيحالبخاري،لابنحجرالعسقلانيالشافعي،ط: دارالمعرفة – بيروت،تحقيق : محبالدينالخطيب ، ( 10 / 133)

(6) المرجع السابق( 1 / 149)

(7) انظر : عمدةالقاري( 14 / 128)

([8]) انظر : العدوى بين الطب وحديث المصطفى، محمد علي البار(84 ) و الأمراض المعدية، عثمانالكاديكي ( 207 )

(9) المرجعان السابقان

([10]) مختارالصحاح،محمدبنأبيبكربنعبدالقادرالرازي،ط : مكتبةلبنانناشرون –  تحقيق : محمودخاطر (1/ 294 ) مادة ( و – ب – أ )

([11]) انظر: عمدةالقاري( 16 / 58)

 

([12]) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب فضائل المدينة ،باب لا يدخل الدجال المدينة،(371 ) برقم(1880)

([13]) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب فضائل المدينة ،باب كراهية النبي rأن تعرى المدينة( 373 ) برقم(1889) .

([14]) أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي الأسود الدؤلي ، كتاب الشهادات ،(526 ) برقم  (2643)وفيه:”قدمت المدينة وقد وقع بها مرض وهم يموتون موتا ذريعاً…” .

([15]) انظر : المفهم لما أشكل من كتاب تلخيص مسلم ، أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي ( 3 /495) ، وفتح الباري (10/191)

([16]) انظر : المرجع السابق ( 10/181 )، وبذل الماعون في فضل الطاعون ، لابن حجر العسقلاني ، ط: دار العاصمة – السعودية – ) 104 )

([17]) انظر : زادالمعادفيهديخيرالعباد،محمدبنأبيبكرأيوبالزرعيأبوعبدالله،ط : مؤسسةالرسالة –بيروت( 4/37 )

([18]) انظر: العدوى بين الطب وحديث المصطفى (100 ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى