مقالات

الاستعداد لشهر رمضان .. سنة كونية وشرعية

 

بقلم – دكتور سامح شفيق أبو طالب:

من نعم الله على عباده أن جعل لهم مواسم للخير ، يتزودون منها ليقبلوا على ربهم ؛ ولتكون عونا لهم في حياتهم ومماتهم ، ومن هذه النعم شهود شهر رمضان ، وهذا الشهر ليس كغيره من الشهور فله مزية خاصة ، ولم لا وهو شهر القرآن ، ولقدوم هذا الشهر يحدث الله – تعالى – تغيرات كونية وشرعية ، ليعلم الخلق أن الأولى بالتغيير هم أنفسهم ، فمن أجلهم فرض الله عليهم صيام هذا الشهر العظيم ، ومن هذه التغيرات :

( أ) التغيير في الكون ، فأبواب الجنة تفتح لاستقبال شهر رمضان ، وكذلك تغلق أبواب النار ، وتصفد الشياطين ، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هُريْرَةَ – رضي الله عنه- أنَّ رسُولَ اللّهِ – صلى الله عليه وسلم- قال: إذا جاء رمَضَانُ فُتّحَتْ أبْوَابُ الْجنَّةِ وَغُلّقَتْ أبْوَابُ النّارِ وَصُفّدَتْ الشَّيَاطينُ ” .

( ب) التغيير في الفطرة السليمة ، فإذا أقبل شهر رمضان تجد الفرحة تملأ قلوب الناس ، وإذا ما سألت أحدا يقول لك: أشعر بفرحة وسعادة ، ولا أعرف كيف أعبر عنها ، وإذا ما قارب رمضان على الانتهاء تجد نفس الشخص يخرج علينا بمشاعر حزن ويعتصر قلبه ألما ، وما ذلك إلا بسبب قرب انتهاء هذا الشهر ، وما هذا إلا لسلامة فطرته ونقائها .

( ج ) التغيير في العرف ، فمعروف أن الإنسان يحب الرائحة الطيبة ويكره الرائحة المنفرة ، ولكن من العجيب أن رائحة الصائم التي تصدر منه أطيب عند الله من رائحة المسك ، فقد روى البخاري عن أبي هرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قال : قال رسول اللّهِ – صلى الله عليه وسلم – ” …. لَخلُوفُ فمِ الصَّائمِ أَطيَبُ عنْدَ اللّهِ من ريحِ الْمسْكِ ..” ولا تجد أحدا ينفر من رائحته ؛ لأن النقيصة في عرف الناس إذا أضيفت إلى الشرع ، وقصد بها وجه الله -تعالى- صارت قمة الكمال والجمال ، فمثلا الذي يخلع ملابسه ويمشي في الطرقات كاشفا صدره عاب عليه الناس ، وربما اتهموه بالجنون ، ولكن هذا الرجل نفسه لو خلع ملابسه ولبس الإحرام وانكشف صدره تمنى كل الناس أن يكونوا مثله ، وتبادلت بينهم الدعوات والقبلات ؛ وذلك لأن الحالة الثانية أضيفت لله – تعالى- وهو أداء الحج أو العمرة ، فتغيرت الأعراف بسبب إضافة الفعل لله تعالى .

( د ) التغيير في الشرع ، فمن أصاب ليلة القدر كان كمن تعبد لله تعالى بأكثر من ثلاث وثمانين سنة ، قال تعالى : ” ليلة القدر خير من ألف شهر ” ( القدر: 3) ومن أدى فيه نافلة كان كمن أدى فريضة في غير رمضان ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ، فقد روى ابن خزيمة في صحيحة عن سلمان ، قال : خطبنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في آخر يوم من شعبان فقال : ” …… فيهِ ليْلَةٌ خيْرٌ منْ ألْفِ شهْرٍ فرَضَ اللّهُ صِيامَهُ وجَعَلَ قِيامَ ليْلِهِ تطَوُّعًا فمَنْ تطَوَّعَ فيهِ بِخِصْلةٍ منَ الْخيْرِ كانَ كمَنْ أدَّى فرِيضَةً فمَا سِواهُ ومَنْ أدَّى فيهِ فرِيضَةً كانَ كمَنْ أدَّى سَبْعينَ فَريضَةً … ” قال ابن خزيمة وفيه ضعف .

فإذا كانت هذه التغيرات تحدث من أجل شهر رمضان ، فأولى بنا أن نتغير ونستعد لاستقبال هذا الشهر الكريم ، حتى نحصل على ثمرة الصيام ، وهي تقوى الله عز وجل ، وسأذكر في هذه السطور بعض الأمور التي نستعد بها لاستقبال هذا الشهرالكريم ، منها :

  • تسأل الله تعالى أن يبلغك شهر رمضان ، فقد أخرج الأصبهاني عن معلى بن الفضل قال : كانوا يدعون الله عز و جل ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان ، ويدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم .

2- نشر الفرح والسرور وتعليق الزينة استعدادا لقدوم شهر رمضان ، قال تعالى :

” ذلك ومَنْ يُعَظّمْ شَعَائرَ اللّهِ فَإنَّهَا من تقْوَى القُلُوبِ” ( الحج : 30)

3- إعلان التوبة والرجوع إلى الله – سبحانه وتعالى – فكم أثقلت الذنوب الناس وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ، فما استطاعوا مضيا لربهم ولا يرجعون ، فالذنوب أكبر عائق لاغتنام الخير ، وصاحبها معاقب دون أن يشعر ، فتجده يدرك مواسم الخير ويخرج ولا يشعر بقيمتها .

4- التخطيط الجيد لاستغلال هذا الشهر العظيم ، فإذا كان رمضان شهر يغفر فيه الذنب ، وتحط فيه الخطايا ، وترفع فيه الدرجات ، فليس هناك مشروع للعبد أعظم من هذا ، ومن لم يضع خطة محكمة ويبيت النوايا فلا يصل إلى مراده ، فقد أخرج الإمام ابن خزيمة في صحيحة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ” أظلكم شهركم هذا ، بمحلوف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما مر بالمسلمين شهر خير لهم منه ، ولا مر بالمنافقين شهر شر لهم منه ، بمحلوف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إن الله ليكتب أجره ونوافله قبل أن يدخله ، ويكتب إصره وشقاءه قبل أن يدخله ، وذلك أن المؤمن يعد فيه القوة من النفقة للعبادة ، ويعد فيه المنافق إتباع غفلات المؤمنين وإتباع عوراتهم ، فغنم يغنمه المؤمن” فإذا علمت أن الأجر والشقاء يكتبا قبل دخول الشهر فوجب عليك وضع خطة جيدة تستقبل بها هذا الشهر العظيم .

5- أن تحرص في نهاية شعبان أن تجلس وأهل بيتك تنتظرون الهلال ، أو ما يعرف في زماننا باستطلاع الهلال من قبل دار الإفتاء ، ليشعر الأولاد والزوجة أن هناك حدث جلل الكل في انتظاره ، وأنه الزائر الكريم الذي ستفتح لنا فيه أبواب الجنان ، وترفع لنا فيه الدرجات ، فقد روى ابن عمر – رَضيَ اللّهُ عَنْهمَا-  قالَ : “كانَ رَسولُ اللّهِ إذَا رأَى الْهلاَلَ قالَ : اللّهُ أَكبَرُ ، اللَّهمَّ أَهلَّهُ عَلَينَا بالأَمْنِ والأَمَانِ والسَّلاَمَةِ وَالإسْلاَمِ ، وَالتَّوْفيقِ لمَا تحِبُّ وَتَرضى ، رَبّنَا وَرَبّكَ اللّهُ ”

6- ربما يدخل علينا رمضان وتظل ظروف الحظر والمنع من المساجد بسبب الأوبئة قائمة ، فاستعد أنت أو أحد أولادك لتصلي بأهل البيت الصلوات في جماعة وخاصة صلاة العشاء والتراويح ، وهذا يستلزم منا مراجعة القرآن الكريم ، أو المقدار الذي تحفظه .

7- قراءة بعض الكتب لمعرفة أحكام الصوم ، لنعبد الله على بصيرة .

8- لا بد أن تشتمل خطتك على مساعدة الفقراء والمحتاجين ، خاصة في هذا الوقت الذي تعطلت فيه مصالح أناس كثيرين بسبب وباء كورونا ، فكم من محتاج منى نفسه أن تسد حاجته في هذا الشهر ، فلا تقطعوا رجاءهم فيقطع الله رجاءنا يوم القيامة .

أسأل الله تعالى أن يبلغنا رمضان ونحن في أحسن صحة وأفضل حال ، وأن يصرف عنا الوباء ، وأن يتقبل منا صالح الأعمال ، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.

وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى