إجتماعيهمقالات وآراء

الحرب التي لم يتنبأ بها أحد

 

د. ذيب هاشم

صاروخ ستينغر المتواضع المحمول على الكتف الذي تنتجه الولايات المتحدة بمئات الآلاف والذي ألهبت نيرانه العالم لعقود خلت، من أنغولا الى جزر الفوكلاند الى أفغانستان وغيرها.. سعره ٤٠٠٠٠ دولار تقريباً ، وهو يوازي سعر جهاز التنفس الاصطناعي الذي تصرخ ولاية نيويورك حالياً طالبة تأمينه لتقي مواطنيها غائلة الموت اختناقاً.

هذا دون ان نذكر الترسانات الهائلة من صواريخ الدمار المكدسة وأسعارها الخيالية حيث يتجاوز سعر صاروخ توماهوك وحده ١.٥ مليون دولار.

إيطاليا صاحبة خامس اكبر أسطول جوي في حلف الأطلسي تصارع وحدها في مواجهة ذلك الجيش الخفي الذي يفتك بشعبها، ولا تمتلك أجهزة تنفس اصطناعي تساعد في اسعاف الضحايا الذين يتساقطون يومياً.

بريطانيا العظمى مع ترسانة ال ٢١٥ رأس نووي، كابرت في البداية ولم تعترف بجبروت كورونا وسطوته فتصرفت بعنجهيتها المعهودة، وتلقفت نظرية بائسة من جارتها هولندا، اسمها “مناعة القطيع” في مواجهة الفيروس القاتل، لتكتشف متأخرة فداحة خيارها.

فرنسا أيضاً ذات ال ٣٠٠ رأس نووي سارت على نهج بريطانيا ثم ما لبثت ان استفاقت على نقص فادح في معداتها الطبية اللازمة لمواجهة الوباء.

دول الاتحاد الأوروبي (اسبانيا ، هولندا وغيرها) تنهار الواحدة تلو الأخرى، ولا تجد لها في المواجهة حليفاً يناصرها ولا ظهيراً يخفف من مأساتها.

ألمانيا ، زعيمة الاتحاد الأوروبي، تدعو شعبها للتهيؤ للإصابة بالمرض الفتاك، وتبشره، شأن بريطانيا، بفقدان الخلان والأحبة.

أما ترامب، زعيم “العالم الأول” فمشغول عن آلام حلفائه، وحتى عن معاناة شعبه بملء خزاناته الاستراتيجية بالنفط  الرخيص. ولا يبدو الوباء بالنسبة اليه سوى منتج صيني مزعج قد يمكن ادراجه في سياق الحرب التجارية مع بكين، القابلة للتطويع، في نظره، بحزمة جديدة من العقوبات.

هي الحرب العالمية الثالثة التي لم يتنبأ بها أحد، لا أجهزة المخابرات العريقة، ولا مراكز الأبحاث التي تعج بجهابذة العلماء والمفكرين. اما مفاعيلها فقد شرعت منذ الآن ترسم وجه العالم الجديد.

لقد آن الأوان للنظام العالمي المرعب الذي أنتجته قنبلتا هيروشيما وناكازاكي وأجساد عشرات الآلاف من البشر التي أذابها الانفجار النووي ان يتقاعد.

اول الضحايا الاتحاد الأوروبي وصورة العالم الغربي ثم الأمم المتحدة وإعلانات حقوق الإنسان.

لم يعد الاتحاد الأوروبي كنموذج يحتذى موجوداً بعد اليوم، لقد بدا اكثر هزالاً من آخر دولة في آخر بقعة هامشية مما سمي ذات يوم بالعالم الثالث.

وانهارت امام عذابات موتاه في المشافي دولة الرفاه، ومعها تراث عصر التنوير وفلسفات روسو وجون لوك ومونتسكيو وبودان وغيرهم..

ترى هل يسائل الأوروبيون أنفسهم اليوم عن الحاجة للدبابات والطائرات والرؤوس النووية ومصانع الأسلحة ومدى قدرتها على الحماية، في الوقت الذي لا يجدون فيه سريراً للاستشفاء؟

الم يكن الأجدى بمصانع السلاح ان تصنع مخزوناً استراتيجياً من اجهزة التنفس ترقباً لاندلاع الحرب مع المرض أسوة بتخزين الصواريخ؟

ماذا يقول المواطن البريطاني اوالفرنسي او الهولندي، لو فكر بأن قادته ربطوا حياته بمعادلة اقتصادية تقول، ان حصد كورونا لأرواح بضعة آلاف من الضعفاء. أجدى بكثير في ميزان الربح والخسارة من فرملة عجلة الاقتصاد وفقدان بضعة مليارات من الدولارات؟.

هو اختبار عملي مرعب تتقدم في سياقه نظريات هي خليط ممسوخ من بضاعة ميكيافيللي ومالتوس وداروين، مصبوبة في عقول زعماء تجردوا من إنسانيتهم، وجبلوا بالعنجهية والتكبر، فباتوا أشد خطراً على البشرية وعلى شعوبهم من الوباء.

هؤلاء هم نتاج الديمقراطية الزائفة الفارغة من بعدها الإنساني، التي لطالما تبجح بها الغرب، وأقنعوا العالم أن الحضارة تختصرها صناديق اقتراع تتعايش مع مصانع الصواريخ النووية، والمعامل الجرثومية، وكل أنواع الأسلحة الفتاكة، التي تُلهب أرض الشعوب الأخرى نهباً وقتلاً ودماراً دون حسيب أو رقيب.

ذلك الاختبار يعيد التأكيد مرة أخرى، بشكل أكثر جلاء، أن الإنسان، حتى الغربي، ليس قيمة في عرف الغرب وحضارته، وإنما هو رقم خاسر يتعين حذف عبئه عن خزينة الدولة حينما يكون ضعيفاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى