مقالات

“أدب الفراش” وشعار ” لا مساس” !!

 محمد خضر الشريف •

=============

أذكر أن مسؤولا إعلاميا كبيرا على قمة هرم صحيفة خليجية كبرى جمعتني به أقدار الله مع أحد المشائخ المتخصصين في شؤون الأسرة وأحوالها، وجه إلينا السؤال: ماذا تعني الدلالة القرآنية من جملة :” وكشفت عن ساقيها” في قصة بلقيس مع سليمان؟ ولمح إلى عدة دلالات في “الهم” المشترك بين زليخا ويوسف الصديق عليه السلام في قوله تعالى” ولقد همت به وهم بها”، وأشياء عديدة من هذا القبيل..

وقلنا وعدنا وخضنا في الدلالات التي كلها تنم على أدب قرآني جم فيما يتعلق بتلك العلاقة
القائمة بين الرجل والمرأة سواء كانت علاقة زوجية أو علاقة عابرة كما كانت مثلا بين سليمان وبلقيس أو يوسف وزليخا أو بنت شعيب وموسى وغير ذلك من قصص النساء في الإسلام ومواقفهن مع الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وصحابته الأجلاء..

والحق لم يصارحنا دين سماوي بطبيعة العلاقة الزوجية بين المصارحة والمواربة بقدر ما صارحنا الإسلام، ولعل النماذج السابقة التي ذكرتها بدلالاتها تعطينا انطباعا واضحا عن ما نسميه الآن بلفظة” أدب الفراش”.. وهذا يدفعنا للتساؤل” هل نبقي هذا الأدب سرا مقدسا تحت شعار” لا مساس” أم أن نفتح بابه على مصراعيه ونعرف عنه كل شيء أيا كان هذا الشيء.. أم نجعل الباب مواربا يعني” بين بين” حسب الحاجة والظروف المتمثلة في البيئة وثقافتها ومدى محافظتها أو انفتاحها وما درجت عليه أو خرجت عن ثوابتها فيه ومألوفاتها؟؟

الذي دفعني لهذا كله برنامج سمعته من إذاعة هولندا العالمية بعنوان: “سعادة الزوجين في الفراش هي أساس نجاح العلاقة الزوجية” .

ونسبت الإذاعة هذا الكلام أو فحوى هذا العنوان إلى امرأة عربية إمارتية اسمها” وداد لوتاه” وهي موجهة أسرية في هيئة تنمية المجتمع في دبي، وهي صاحبة الكتاب الأخطر عربيا- في نظري- الذي يحمل عنوان “سري للغاية: المعاشرة الزوجية أصول وآداب”.

وقد نشرت مؤلفته مؤخرا الترجمة الإنجليزية لكتابها الذي أثار ردود فعل سلبية وتهديدات للكاتبة العام الماضي عندما نشرته باللغة العربية.. وصلت لحد التهديد بالقتل.
تساءلت مع نفسي هل لأن مؤلفة الكتاب وهي سيدة عربية خليجية أي من بيئة محافظة خرجت عن مألوف القبيلة والعرف فأراد هذا العرف أن يخرس لسانها وليس فقط بل يتعداه إلى إخفائها من الوجود ؛ لأنها تمردت على المألوف وأرادت أن تزرع بذور “الثقافة الجنسية” على مستوى أوسع، معتبرة أن ذلك حقا للمرأة وجب أن تعيه وتعرفه وتتشربه، حتى تطبقه مع زوجها في الفراش وهي تتلذذ به وتشعر بالمتعة الفطرية التي فطرها الله فيها؟

ربما رأت “لوتاه” أن نجاح الأسرة كله يتوقف على نجاح العلاقة الخاصة في الفراش، فأن صلحت هذه العلاقة صلح البيت كله ومن ثم صلح المجتمع كله، وإن فشلت تلك العلاقة فشل البيت كله ومن ثم فشل المجتمع كله وأصيب بنواقص وقواصم وعواصف وأعاصير تهدده بل وتهدمه وربما تجعل سقفه يخر على من فيه من فوقه؟

وأستشف هذا كله من قولها:” سعادة الزوجين في الفراش تساهم في حل أي مشكلة بينهما مهما بلغ تعقيدها”.. وربما كان دافعها في ذلك كله ما لمسته من الواقع المرير الذي بدأ يتفكك وينخره سوس الفشل الزوجي في كثير من الأسر العربية والإسلامية أيضا بشكل لم يكن معهودا من قبل.. فهي مثلا تدلل على ذلك بان هيئة تنمية المجتمع في دبي تتلقى ما لا يقل عن 2500 حالة من المشاكل الزوجية سنويا، وترى أن معظمها تتعلق بمشاكل زوجية منشأها العلاقة الجنسية بين الزوجين، وكان هذا دافعا لها لنشر كتابها حول أصول المعاشرة الجنسية في الإسلام.

ودعوني أقل: ربما يرى الغرب أن الإسلام يحرم المتعة بين الزوجين ويؤطرها في إطارات سرية غامضة، ويتصور أن المعاشرة تقف عند حد “قضاء الحاجة” مثلا ثم الاغتسال وكل طرف يلزم فراشه لتبدأ مرحلة الحمل والولادة والانشغال بتوابع ذلك وهكذا دواليك، دون ان يكون للرجل متعته وللمرأة متعتها التي أحلها الله وجعلها من أكبر متع الدنيا بل ومن أكبر متع الآخرة في الجنة وما آيات الحور العين عنا بغريبة ولا ببعيدة عن مسامعنا.

ربما هذا كان دافعا مثلا لتلك السيدة أن توضح هدفها في كتابها الخطير فعلا يتضح ذلك من وحي كلامها “مهمتي من هذا الكتاب ومن ترجمته للإنجليزية بالأخص هو أن أبين للمجتمع الغربي وأي مجتمع آخر بأن الدين الإسلامي فيه أسس سليمة للثقافة الجنسية، وليس فقط الثقافة الغربية. ولهذا كتبت بالتفصيل عن الأمور التي يعتقد الناس بأنها حرام في الدين الإسلامي بينما هي في الواقع محللة ومسموح بها. ولا من محرمات في الدين الإسلامي إلا منطقة واحدة وهي منطقة الدُبر”.

وربما كانت الصراحة الزائدة عن الحد في عرض المشكلة الجنسية في العلاقة غير السوية” بين الرجل والمرأة أو علاقة” الشذوذ ” مثلا هي التي ألبت على المؤلفة غضبة المحافظين والملتزمين والذين يرون أن العلاقة بين الزوجين مكتوب عليها شعار”لا مساس”؛ أي ممنوع اللمس والاقتراب لتك المنطقة المحظورة عرفا وتقليدا..

ولهؤلاء العذر في أن القرآن الكريم كتاب رب العالمين خالق الذكر والأنثى لما يتعرض لمثل هذه العلاقة يكني ولا يفضح، ويلمح ولا يصرح وراجعوا مثلا آياته العطرة ( وعاشروهن بالمعروف) ، ( فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به) ، و( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم)، و( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن).

وكذلك الأدب النبوي الشريف مثلا:” أقبل وأدبر واتق الحيضة والدبر”، وهكذا في أدب جم عفيف لا يخرج عن المألوف المعروف الذي يوصل القصد دون إثارة لشهوة أو غريزة سواء للرجال والنساء مثلا..

وتوضح “لوتاه” التي اقترحت من قبل إدراج التربية الجنسية في المدارس الإماراتية أن كتابها هذا ليس لغرض التدريس وإنما يستهدف الشباب المقبل على الزواج.

وهي ترى أن الحملة التي استهدفت الكتاب تكشف أن الذين يخوضونها لم يقرؤوه أصلاً، ولم يكلفوا أنفسهم عناء تصفحه، وإلا لاكتشفوا بسهولة أنه لم يخرج أبداً عن القرآن الكريم”، مشيرة إلى أنها استشارت قبل طباعته علماء دين، واستجابت لنصائح بعضهم في إلغاء بعض الفصول المتعلقة بممارسة الجنس أثناء فترة الحمل.

ولتسمح لي المؤلفة ولتسمحوا لي أنتم أن أقول:
إن تصادم الطرح الصريح والقوي في مسائل حساسة لم تألفها عقلية القارئ والمتلقي العربي،حمل القضية كثيرا من الأبعاد التي تدخل في نطاق” قلة الأدب ” مثلا أو سوء العرض مثل هذه الأمور الشائكة، وهذا الذي أشمه وألمسه من قراءتي لشخصية المؤلفة وتتبع مسارات طرحها، وربما يوافقها في طرحها كثير من العقلاء والتربويين وتراه ويرونه حقا واجبا فهمه ومعرفته، ومن ثم تطبيقه لاحقا بالحلال، وبين من يرون أن كل الكائنات الحية من حيوانات وطيور وحشرات وحتى نباتات، تمارس الجنس بطبيعتها دون الحاجة لا إلى وعي أو قراءة أو كتاب سري أو حتى جهري، أو تثقيف..

•أديب وكاتب صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى