مقالات

مواقف جميلة مع فقيد الصحافة أستاذنا الكبيرعبداللطيف فايد(رحمه الله)


==============
محمد خضر الشريف
==============

**  [أصبحت مُطَّرَحًا في معشرٍ جهلوا/حق الأديبِ فباعوا الرأسَ بالذنبِ] بهذا البيت الشعري للإمام الشافعي بدأت علاقتي بالصحفي والكاتب الكبير أستاذ الجيل الأستاذ/ عبد اللطيف فايد، نائب رئيس تحرير جريدة “الجمهورية “ورئيس القسم الديني ورئيس قسم المحافظات بالجريدة ..
كان هذا في رسالة أدبية راقية اللفظ عالية الجودة في المعنى، والوقت كلن أوائل الثمانينيات الميلادية..
اتصل عليَّ- رحمه الله-
طالبا رؤيتي ومقابلتي..
حللت على مكتبه، فجلسنا نتناقش ونتحاور في شؤون الصحافة واللغة والأدب وما يخص الدار البهية “دار العلوم” التي تصادف أنها عامل مشترك بيننا في التخرج الجامعي، وإن كان هو سابقا لي بسنوات طويلة..
واعتمدني -رحمه الله- محررا صحفيا في القسمين معه، وأوكل إليّ مهمة متابعة مكتب شيخ الأزهر الشريف.

امتدت الأيام بنا والثقة المتبادلة، ولا أذكر أبدا أنه ناداني باسمي مجردا -وأنا بعدُ في شرخ الشباب- إلا وهو يقول: خذ أيها الإمام. وهات أيها الإمام أويقول للزملاء : اسألوا الإمام الأكبر”!
وإذاحضرت الصلاة يأبى أن يتقدمني إماما، ويقسم بالله لأصلين بهم وهو يؤكد:” ليس لهذا المقام إلا الإمام الأكبر”!!  وأنا لا أستحق حرف الألف من لفظة إمام فضلا عن الإمام الأكبر!!
** كنا نجلس طويلا في القسم الذي يحوي قسمين كما أشرت وهو رئيسهما، فيحرص أن يصنع لنا بنفسه الشاي “الليبتون” الفاخر -المستورد أيامها- ويصبه لنا في أكوابه المنمقة ويناوله لنا واحدا تلو الآخر، في أريحية ومحبة بلغت العلا في الأخلاق الطيبةوالزمالة الجميلة والجليلة.
ولم يكن -رحمه الله- يفوت لقاء موسعا مع فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر- يومها- الشيخ/ جاد الحق علي جاد الحق، أو فضيلة إمام الدعاة الشيخ/ محمد متولي الشعراوي، في اللقاءات المطولة التي كانت “الجمهىوية” تتميز بها نشرا بكاد يكون حصرا!
** أما لقاء شيخ الأزهر كان يتم له ترتيب خاص وإعداد وتحضير ومواعيد مسبقة ويحضره تقريبا أعضاء القسم الديني؛ فيأتي ثريا مميزا!
**والشيء بالشيء يذكر, فأذكر أنني مررت بالشبخ/ مهدي عبد الحميد، مدير عام العلاقات العامة والإعلام بمكتب شيخ الأزهر، وسألت عن فضيلة الإمام الأكبر؛ لأخذ موعد لاحق؛ لعمل حوار مع فضيلته، فإذا بالشيخ مهدي يأخذ بيدي من مكتبه بالطابق الأول بالمبنى القديم لمشيخة الأزهر بحي الحسبن، إلى الطابق الرابع، حيث مكتب الإمام الأكبر.. وفاجأني بإدخالي عليه قائلا: فلان اللصحفي بالجمهورية، يريد عمل حوار مع فضيلتكم؛ لأفاجأ بفضيلته يقوم مسلما ومرحبا، هاشا باشا، تاركا كرسيه؛ ليجالسني على كنبة بمكتبه ويقول: تفضل اسال!!
لم يكن تسجيلي معي ساعتها ولا حتى أوراقي ولا أسئلتي، لأني حضرت مسلما ومنتظرا موعدا أرتب له ترتيبا خاصا. ولما كان ما كان، اعتمدت على ذاكرتي- التي لم تخني- وانا وحيد وبدون رئيسي معي أو زملاء القسم..
ثم انتهى حواري وعدت الى الجريدة فصغت الحوار و”عنونته” أو كما نقول بلغتنا”دسكته”، وسلمته للأستاذ عبد اللطيف فايد، الذي كان يظنه للوهلة الأولى خبرا مختصرا مثل الأخبار اليومية العادية..
وفوجئ أنه حوار مطول ومنوع وثري بأسئلة شاملة، وهش له وبش، وأفرد له صفحة كاملة مع ملخص للصفحة الأولى !

** وأذكر أن اللقاء الذي كنت أراه مهما وتحسرت على عدم حضوري له، مع الشيخ الشعراوي، رحمه الله، فكان في أوائل الثمانينات الميلادية، وفي شقته المتواضعة في حي الحسين، وحضره أستاذنا عبد اللطيف فايد ، ومعه الأستاذ الكبير أحمد حمروش، وهو من مريدي الشيخ ومحبيه، فقد فاتني، ولم أعلم به إلا والأستاذ عبد اللطيف فايد يتحدث عن الشيخ وورعه وزهده وكرمه وكيف أنه طلب لهم غداء عبارة عن “كباب وكفتة” من مريده وحبيبه الحاج ” أبو شقرة”، وهو- اي الشيخ الشعراوي- لم يأكل إلا فولا مدمسا، كان مبيتا في ثلاجته، وكلام كثير شدني بالطبع للقاء الشيخ الأجل وحرصت عليه أيما حرص،وعدم حضوري كلن سببه أني لم أعلم به لانشغالي بما كلفني به الأستاذ فايد من إعداد مادة عن الشيخ الشعراوي من بعض حلقاته المسجلة وكنا نعدها في جريدة “اللواء الإسلامي” ، الصادرة من مؤسسة “أخبار اليوم”، وكان يشرف عليها الأستاذ الجهبذ الصحفي الكبير، عبد الوراث الدسوقي-رحمه الله- وكنت مكلفا بإعداد المادة وأحيانا تسليمها يدا بيد للأستاذ عبد الوارث، ففوت علي لقاء الشيخ الشعراوي.

** ثم ضمني مع الأستاذ عبد اللطيف فايد لقاء لاحق، في بيت فضيلة الشيخ الشعرواي بترعة المريوطية وكان لقاء ثريا شاملا جامعا عشنا معه ذكرياته الدينية والأزهرية وفترة توليه وزارة الأوقاف والسباسية والشعرية واستنطق ذاكرته الفولاذية؛ فلم تبخل عليه بقصائد له محفوظة ألقاها كأنه يقرأها من كتاب!

**ومن ذكرياتي مع الأستاذ عبد اللطيف فايد ماحدث فور سقوط الاتحاد السوفيتي واستقلال “الجمهوريات الاسلامية” وقد أجريت لقاءً مع فضيلة مفتي احدى هذه الجمهوريات، وكان اول لقاء من نوعه وهش له أستاذنا عبد اللطيف، وأفسح له صفحة وصورا وووو..
وحضرتُ في اليوم الثاني والتقطت عدد “الجمهورية”، بشوق ولهفة؛ لأفاجأ بأن من أجرى الحوار زميلنا في القسم (مجاهد خلف) وليس (محمد خضر)!!
وأسقط في يدي، وقمت بنبرة أسى يعلوها عتاب لأستاذي، وأنا أطرح العدد على طاولة مكنبه وأخرج مغضبا!
وحضرت في اليوم الثاني، فسلمت عليه، وإذا به يهش ويبش ويعطيني عدد “الجمهورية” وبه حوار للمفكر المصري والعالمي رشدي فكار وأجرى الحوار(محمد خضر) وليس صاحبه (مجاهد خلف) وأوضح لي اللبس الذي حدث من سكرتير التحرير، الذي أخطأ في وضع اسم الزميل في حواري بالأمس. وأراد -رحمه الله- أن يعوضني بما حدث!
وذكرني هذا بموقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما كسرت عائشة -رضي الله عنها- قصعة احدى زوجاته أمام الضيوف واتناثر الطعام الذي كان بها، فطالبها بأن تعوضها بقصعة مكانها.

** في عام 1407هـ/ الموافق1987م، حضرتً مؤتمرا صحفيا بجدة ضم وزراء الشؤون الاسلامية في العالم الإسلامي، بحضور الشيخ عبد الوهاب عبد الواسع، وزير الحج والأوقاف السعودي الأسبق- رحمه الله -وكان عن قضية القدس
سألتُ بصفني أحد الصحفيين الحضور من جريدة”المسلمون” التي أعمل بها فقلت:
“لو نفذنا توصيات المؤتمرات السابقة التي كلفت علينا ملايين الأموال، لما عقدنا مؤتمرنا هذا في جدة ولا مكة ولا المدينة ولا “مصر الأزهر” بل لعقدناه في القدس”!
الحضور جميعا صفقوا وعيونهم ترقبني، ومعالي الوزير ونظراؤه من الوزراء أطروا سؤالي وسمعت همهمات الإعجاب من شفاههم!
عندما رجعت للصحيفة الدولية -التي كنت أحد أعضاء هيئة تحريرها-
قال الزملاء- بما فيهم رئيس التحرير- ننتظر وكالة الأنباء ماذا ستقول عن المؤتمر؟!

الوكالة -بجلالة قدرها-أتت بجميع الأسئلة وإجاباتها، إلا سؤالي فقد حجبوه!
مت غيظا، وتوقعت ذلك، لكن ما برّد ناري أن أستاذنا عبد اللطيف فايد كان حاضرا معنا، فصافحني بحرارة بعد المؤتمر، وقالها على الملأ:” أفضل سؤال في المؤتمر كله كان سؤالك أنت “يافضيلة الإمام”!!
(هذا اللقب الذي منحنيه، منذ شرخ الشباب، وكان لا يناديني إلا به كما شرحت لكم سابقا).

وقلت يومها وما أزال أقول معقبا على ماحدث في المؤتمر:(هكذا استمرت وتستمر المؤتمرات واللقاءات والندوات.. وكل ما هو في نهايته(آت) .. في كل بلدان عالمنا الإسلامي المترامي الأطراف، ولم يعقد مؤتمر في القدس، ولا أخاله سيعقد؛ مادامت الحكاية “تحصيل حاصل” والتوصيات الرنانة تظل حبيسة الأدراج)!!

**ولعل من أبرز المواقف الجميلة يوم وجهتُ لأستاذنا فايد وزملاء القسم دعوة لافطار المغرب الرمضاني في بيتي في حلوان بالقاهرة تحديدا في مدينة 15 مايو -احدى المدن الجديدة- وخرجنا جميعا من مبنى الجريدة القديم أمام محطة عرابي قبل المغرب بساعة لنلحق بالمترو الذي يقلنا الى حلوان، وتفاجأنا بان المترو متوقف، وهرلونا لأخذ تاكسي يقلنا ففشلنا لضيق الوقت وبعد المسافة والوقت آخر نهار الصوم ولم تكن ثمة وسيلة الا سيارة الميكروباص، فوصلنا بعيد آذان المغرب بفترة وجلسنا على السفرة التي شملت “المحمر والمشمر” وخلافه مما لذ وطاب من الطعام والشراب والحلا المتعدد، وتخللها حديث سمر وفكاهة، ثم صلينا المغرب وبعدها لحقنا صلاة العشاء بالمسجد المنشأ حديثا، وقدمته للحضور فألقى كلمة جميلة وأبى أن يصلي بنا وأصر كعادته أن أكون أنا الإمام وصليت بهم العشاء والتراويح، وكانت ليلة ماتعة رائعة!
**هذه نتف أملتها علي الذاكرة لبعض ذكرياتي العذبة مع أستاذنا الصحفي والكاتب الكبير الأستاذ/ عبد اللطيف فايد، الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى اليوم، الأربعاء ..

والفقيد من جيل الصحفيين القدامى وأحد الكتاب الإسلاميين، الذي تخرج على يديه عشرات العشرات من القيادات الصحفية البارزة ورؤساء تحرير مطبوعات مصرية وعربية.
واشتهر” فايد” بالوسطية في طرح القضايا الفكربة والمجتمعية، وعلاج المشكلات بأسلوبه السهل.
كما عمل الفقيد رئيسا للفسم الديني وقسم المحافظات بالجمهورية، ورئيا لتحرير مجلة “منبر الإسلام” التي تصدو عن وزارة الأوقاف المصرية، وشارك في تغطية عدة مؤتمرات محلية وعربية وحاضر فترة عن مادة الصحافة والإعلام في جامعة الأزهر الشريف، وهو على رأس العمل الصحفي.
رحم الله أستاذنا الفقيد رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، آمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى